كانت فكرة الدولار الرقمي تلوح في الأفق منذ فترة. وفي الآونة الأخيرة، طُرحت الفكرة على لسان وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، ورئيس الاحتياطي الفيدرالي، جاي باول.. ووصف باول الدولار الرقمي في شهادة أدلى بها أمام الكونغرس في اليوم التالي، بأنه «مشروع ذو أولوية عالية بالنسبة لنا».

ويرى البعض أن هذه جبهة أخرى في الحرب الباردة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين. ومن شبه المؤكد أن بنك الشعب الصيني سيكون أول بنك مركزي رئيسي يطرح عملة رقمية في عام 2022، على أبعد تقدير. وإذا لم تتحرك الولايات المتحدة بسرعة، فسوف تتخلف عن الركب.

وسيظل النظام المالي الأمريكي عالقاً في القرن العشرين، مما سيضر بالقدرة التنافسية للولايات المتحدة. وسوف تتراجع مكانة الدولار باعتباره عملة دولية مهيمنة، بسبب سهولة استخدام الوحدة الرقمية الصينية في المعاملات العابرة للحدود، وسوف تهدر الولايات المتحدة مصدراً فريداً للقوة المالية والنقدية.

وفي الواقع، هذه المخاوف إما مبالغ فيها أو خاطئة تماماً. إن الدافع الرئيسي وراء إصدار بنك الشعب الصيني عملة «الرنمينبي» الرقمية هو إنشاء بديل تسيطر عليه الحكومة لمنصتين كبيرتين للغاية وضعيفتين من حيث التنظيم، تتم من خلالهما عمليات السداد الرقمي، وهما «علي- باي» و«وي –تشات- باي».

ويثير انتشار منصتي «علي-باي» و«وي–تشات- باي» في كل مكان شبح فقدان السلطات الصينية السيطرة على تدفقات المدفوعات عبر الاقتصاد.

ولأنها تستخدم المعلومات المتعلقة بالمدفوعات للاسترشاد بها في أنشطتها الإقراضية، فإن انتشارها يشير إلى احتمال أن تفقد السلطات السيطرة على التدفقات المالية، ومخصصات الائتمان بصورة عامة.

ومن ثم، فإن تصميم بنك الشعب الصيني على إصدار عملة رقمية هو جزء لا يتجزأ من قرار الحكومة الصينية في نوفمبر الماضي بإلغاء العرض العام الأولي لمجموعة «آنت غروب»، الشركة الأم لشركة «علي باي».

إن الحكومة الأمريكية ليس لديها مخاوف مماثلة. ففي الولايات المتحدة، تقوم عشرات المنصات المختلفة، مثل «باي بال» و«سترايب» و«سكوير»، بعمليات السداد الإلكتروني، والتي تتم تسويتها في نهاية المطاف من قبل البنوك، ومن ثم، من خلال «فيدواير»، النظام الداخلي للاحتياطي الفيدرالي لتسوية المعاملات بين البنوك.

ومن المؤكد أن سهولة التعامل بعملة «الرنمينبي» الرقمية ستسرع من استخدامها في المعاملات عبر الحدود. ولكن قد يكون لهذه العملة الرقمية أيضاً وظيفة سرية تمكّن السلطات الصينية من تتبع المعاملات وتحديد من يقوم بها، مما يثبط استخدامها من قبل أطراف ثالثة.

ومن هذا المنظور، من الصعب اعتبار العملة الرقمية الصينية عامل تغيير لقواعد اللعبة على المستوى الدولي. لذا، فإن قرار طرح دولار رقمي يجب أن يكون مبَرراً لأسباب أخرى. وأقوى مبرر هو الشمول المالي.

يمكن للدولارات الرقمية أيضاً معالجة التكلفة الباهظة لتحويلات الأموال عبر الحدود. ولكن الحكومات الأجنبية قد تكون مترددة في السماح لمواطنيها بتثبيت المحفظة الرقمية للاحتياطي الفيدرالي، لأن ذلك من شأنه أن يجعلها هي وبنوكها المركزية غير قادرة على فرض ضوابط رأس المال، التي تعتبرها أدوات تحوطية كلية.

وبدلاً من ذلك، يمكن جعل المحفظة الرقمية للاحتياطي الفيدرالي قابلة للتشغيل المتبادل مع المحافظ الرقمية الأجنبية. ولكن التشغيل المتبادل يتطلب تعاوناً وثيقاً بين البنوك المركزية بشأن التفاصيل المتعلقة بالتكنولوجيا والأمن. وفي حين أن هناك جهوداً في هذا الاتجاه، فإن إنجاحها سيكون مهمة شاقة، على أقل تقدير.

وفي النهاية، يجب موازنة هذه المزايا مع تكاليف رقمنة الدولار ومخاطره.

وفضلاً عن ذلك، فإن شبكة سداد مدفوعات التجزئة التي يديرها بنك الاحتياطي الفيدرالي ستكون هدفاً مهماً للمتسللين والإرهابيين الرقميين. إن الاستقرار الأمني والمالي من الأمور الجوهرية، وليس واضحاً أنه يمكن ضمانهما. وكل هذا يعني أنه على الرغم من أن مسألة الدولار الرقمي قد تكون جديرة بالدراسة من قبل يلين وباول، إلا أنها ليست بِالهَيِّنة.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي.