وجدت دراسة حديثة أجراها مركز بيو للأبحاث عن الدين في الهند، أن الهنود يقدرون التسامح الديني والتعايش من ناحية، والحصرية من ناحية أخرى، لكن هذا التناقض الواضح ليس مستغرباً تماماً في حقيقة الأمر.
كنت على مدار أكثر من خمسة وعشرين عاماً ــ وبشكل خاص في كتابي الصادر عام 1997 بعنوان «الهند: من منتصف الليل إلى الألفية وما بعدها» ــ أزعم أن الهند ليست بوتقة صهر مثل الولايات المتحدة. بل هي في واقع الأمر أشبه بوجبة «الثالي» ــ مجموعة من الأطباق المختلفة في أوعية منفصلة لا تمتزج ببعضها البعض بالضرورة، لكنها مع ذلك تتحد بشكل مُـرض. ويبدو أن دراسة بيو، بعنوان «الدين في الهند: التسامح والفصل العنصري»، تؤكد فرضيتي.
بادئ ذي بدء، الهند مجتمع شديد التدين: يقول 97% من الهنود إنهم يؤمنون بالرب. كما لاحظت دراسة بيو: «الهند ليست موطناً لمعظم الهندوس، والجانيين، والسيخ في العالم وحسب، بل هي أيضاً موطن لواحد من أكبر التجمعات السكانية من المسلمين في العالم وملايين من المسيحيين والبوذيين. ويقول الهنود المنتمون إلى كل هذه الخلفيات الدينية بأغلبية ساحقة إنهم يتمتعون بحرية مطلقة في ممارسة معتقداتهم». ويقول نحو 53% من البالغين إن التنوع الديني يفيد الهند.
تقول غالبية عظمى من المستجيبين للاستطلاع (84%) إن احترام الأديان الأخرى جانب أساسي من هويتهم. يقول القائمون على الدراسة: «يعتبر الهنود التسامح الديني جزءاً أساسياً من هويتهم كأمة. ويرى أغلب الناس عبر المجموعات الدينية الرئيسية أن احترام كل الأديان أمر بالغ الأهمية لتكون هندياً بحق». والتسامح قيمة دينية أيضاً: «فالهنود مُـجـمِـعون على رأي مفاده أن احترام الأديان الأخرى جزء بالغ الأهمية من المعنى وراء كون المرء عضواً في مجتمعه الديني الخاص».
لكن على الرغم من كل هذا الاحترام المتبادل، تظل دوافع الفصل العنصري قوية. على سبيل المثال، لا يريد 36% من الهندوس مجاورة المسلمين (وإن كان هذا يعني أن 64% منهم على استعداد لقبولهم). على نحو مماثل، تنتشر معارضة الزواج بين الأديان والطوائف على نطاق واسع. لا يوافق 80% من المسلمين الهنود على الزواج بين الأديان، ويرغبون في منعه. وهذا شعور ما يقرب من ثلثي الهندوس.
الهنود يفضلون أيضاً تكوين صداقات داخل مجتمعهم الديني. والهوية الدينية متمكنة بقوة.
على الرغم من المعتقدات المشتركة الكثيرة بين الهنود، حيث نجد تداخلات مذهلة بين جميع الأديان حول مواضيع مثل التناسخ، والكارما، والتماهي مع الطبقة، وقوة التطهير الكامنة في نهر الجانج المقدس ــ لا يخلو الأمر من تفضيل ملحوظ للفصل الديني. ويريد أتباع كل دين الحفاظ على مسافة آمنة من أتباع الأديان الأخرى.
في الوقت ذاته، يقول 95% من مسلمي الهند إنهم فخورون بكونهم هنوداً، ويتفق 85% منهم مع عبارة مفادها أن «الشعب الهندي ليس مثالياً، لكن الثقافة الهندية تتفوق على الثقافات الأخرى». وينبغي لأولئك من مُـنَـظِّـري الهندوتفا الذين يشككون في وطنية مسلمي الهند أن ينتبهوا إلى هذه الحقيقة.
كما تبدو خطوط صدع دينية أخرى في السياسة الهندية أقل إثارة للقلق والانزعاج من التصورات في السابق.
في المجمل، تكشف الدراسة أن الهند بلد شديد التدين ملتزم بشكل عميق باحترام تنوعه، ويمارس في ذات الوقت ما يسميه براتاب بهانو ميهتا «شكل من أشكال التسامح القائم على الفصل». وعلى هذا فإن إحياء ــ والتأكيد على ــ القومية المدنية المنصوص عليها في دستور الهند، مع التزامها بتمكين المواطن الفرد وليس تمييز مجموعته الدينية، يصبح أمراً شديد الأهمية.