كان خروج أمريكا من أفغانستان، قبل مدة، خطوة كبيرة نحو إعادة خلق أرضية مناخات عالمية أدت إلى تباطؤ النمو، وارتفاع التضخم بشكل هائل في سبعينيات القرن العشرين. فقبل بضعة أسابيع، بدا القليل من التضخم، مشكلة يمكن التعامل معها. ولكن الآن، أصبحت المخاطر والرهانات أعلى.

قبل أن نستسلم للتشاؤم، لنتذكر أن السبعينيات، تلتها الثمانينيات والتسعينيات، حدث انتعاش كبير في نمو الاقتصادات المتقدمة، حتى وإن لم يكن ذلك شاملاً بقدر ما قد يرغب صناع السياسات. ثم مرة أخرى، لا يزال الطريق طويلاً إلى ثلاثينيات القرن الحالي.

من المؤكد أن التحديات الاقتصادية اليوم، قابلة للحل، ولا يوجد سبب يجعل ارتفاع التضخم أمراً حتمياً. الواقع أن كبار المسؤولين في البنوك المركزية اليوم، مثل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جاي باول، ورئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، مختلفون تماماً عن رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المطواع آرثر بيرنز في السبعينيات.

فكل منهما يحظى بدعم فريق عمل رائع. مع ذلك، لا تزال البنوك المركزية تواجه ضغوطاً مستمرة، ومن الصعب أن تقف بمفردها إلى ما لا نهاية، وخاصة إذا أصبح الساسة ضعفاء ويائسين.

مع خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، تستمر أوجه التشابه بين عشرينيات القرن الحالي، وسبعينيات القرن الماضي في التنامي. فهل أصبحت فترة ممتدة من التضخم المرتفع أكثر ترجيحاً؟ حتى وقت قريب، كنت لأقول إن الاحتمالات ضد هذا بوضوح. أما الآن، فلم أعد متأكداً، وخاصة عندما أنظر إلى المستقبل، بعد بضع سنوات.

يبدو أن العديد من أهل الاقتصاد، ينظرون إلى التضخم على أنه مشكلة تكنوقراطية، ويود أغلب محافظي البنوك المركزية، لو يكون ذلك صادقاً. الواقع أن جذور التضخم الممتد، تنبع في الأساس من مشاكل ترتبط بالاقتصاد السياسي، وهنا تبدو القائمة الطويلة من أوجه التشابه بين سبعينيات القرن العشرين، واليوم، مثيرة للقلق.

في الداخل، بعد فترة تحدى فيها رئيس الولايات المتحدة القواعد والمبادئ المؤسسية (كان ريتشارد نيكسون نسخة السبعينيات)، يأتي شخص لائق حقاً ليتولى المنصب (في ذلك الوقت، جيمي كارتر). وفي الخارج، تعاني الولايات المتحدة من هزيمة مذلة، على يد خصم أضعف كثيراً، لكنه أشد عزماً (فيتنام الشمالية في السبعينيات، طالبان اليوم).

على الجبهة الاقتصادية، عانى الاقتصاد العالمي من تباطؤ مستمر في الإنتاجية.

عانى الاقتصاد العالمي من صدمة عرض ضخمة في السبعينيات، بعد أن رفعت بلدان الشرق الأوسط بشكل كبير، أسعار النفط التي تتقاضاها من بقية العالم. واليوم، تشكل سياسات الحماية والانسحاب من سلاسل التوريد العالمية، صدمة عرض سلبية ضخمة العواقب، بذات القدر.

في النهاية، في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، لم تُـقـابَل الزيادات الهائلة في الإنفاق الحكومي، بزيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء.

كانت زيادات الإنفاق ناشئة جزئياً من برامج «المجتمع العظيم»، التي أقرها الرئيس الأمريكي ليندون جونسون في الستينيات، ثم تضخمت في وقت لاحق، بفعل تكاليف حرب فيتنام، التي ارتفعت إلى عنان السماء. كان جونسون أولاً، ثم نيكسون لاحقاً، عازفين عن زيادة الضرائب لتغطية هذه التكاليف، خوفاً من خسارة الدعم السياسي.

في السنوات الأخيرة، خلفت تخفيضات ترامب الضريبية، ثم تدابير الإغاثة، من الكارثة المرتبطة بالجائحة، والآن، تسبب الخطط التصاعدية لتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي، تأثيراً شديداً على الميزانية الفيدرالية. ومن المرجح أن تكون خطط تمويل هذه التكاليف، بزيادة الضرائب على الأثرياء فقط، قاصرة كثيراً عن تحقيق الغرض منها.

صحيح أن البنوك المركزية المستقلة اليوم، على الرغم من كل أوجه التشابه هذه، تعمل على التحصن ضد التضخم، وهي على استعداد لرفع أسعار الفائدة، إذا بدت ضغوط التضخم وكأنها تخرج عن السيطرة.

في سبعينيات القرن الماضي، كانت قِـلة من البلدان لديها بنوك مركزية مستقلة، وفي حالة الولايات المتحدة، لم يتصرف البنك المركزي على أنه مستقل، ما أدى إلى تغذية التضخم، مع التوسع النقدي الهائل. ولكن اليوم، أصبحت البنوك المركزية المستقلة نسبياً، هي القاعدة في قسم كبير من العالم.

من ناحية أخرى، أصبحت التحديات المرتبطة بإعالة السكان المسنين، أشد صعوبة خلال العقود الخمسة الأخيرة (على الأقل في الاقتصادات المتقدمة والصين). وربما يمكننا أن نقول إن خطط معاشات التقاعد العامة، التي تفتقر إلى التمويل الكافي، تشكل تهديداً أكبر كثيراً من الناحية الكمية لملاءة الميزانية الحكومية المالية، مقارنة بالديون.

في الوقت ذاته، انفجرت الضغوط الاجتماعية التي تطالب بزيادة الإنفاق الحكومي.. ويكاد يكون من المؤكد أن التصدي لتغير المناخ، وكافة التهديدات البيئية، سيفرض ضغوطاً إضافية على الميزانيات، ويبطئ النمو.

ستسبب الديون الحكومية المتزايدة بشكل حاد، في جعل رفع أسعار الفائدة الاسمية من قِـبَـل البنوك المركزية، مهمة أشد إيلاماً، إذا بدأت أسعار الفائدة الحقيقية العالمية تتجه نحو الارتفاع. تُـعَـد الديون المرتفعة بالفعل، سبباً من الأسباب وراء تردد بعض البنوك المركزية اليوم في رفع أسعار الفائدة، عندما يحدث التطبيع بعد الجائحة. ولعل الدين الخاص، الذي ارتفع أيضاً خلال الجائحة، يمثل مشكلة أكبر.