لقد انتهت الحرب الباردة قبل 30 عاماً، ولكن منذ اندلاع الأزمة المالية في الفترة ما بين عامي 2007 و2008 لم يتم إحياؤها فحسب، بل تحوّلت إلى حرب هجينة ساخنة، وها هو شبح حرب ساخنة بات يلوح في الأفق.
لقد أصبح استرضاء ألمانيا النازية في عام 1938 مثالاً تاريخياً جذاباً.
حيث كانت تلك هي اللحظة، التي تحولت فيها الحرب الباردة بشكل حاسم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، ما أدى إلى نشوب صراع ساخن.
سوف تظل ميونيخ مرتبطة بتلك اللحظة إلى الأبد، حيث تنازلت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا عن أراض كبيرة في تشيكوسلوفاكيا لصالح ألمانيا دون استشارة أي من التشيك أو الاتحاد السوفييتي.
لقد تمت إعادة النظر في هذا الحدث بصورة مُتكررة، وكان آخرها في فيلم المخرج الألماني كريستيان شوتشو الرائع الجديد بعنوان «ميونيخ: حافة الحرب»، استناداً إلى محاولة الروائي روبرت هاريس المثيرة للاهتمام، لاستعادة سمعة رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين.
إن جميع السيناريوهات المطروحة الآن في مناطق وبؤر الصراع تحتاج منا الكثير من الهدوء . فعلينا أولا أن نسكت أزيز الشحن وخطر اندلاع الحرب.
ومن ثم نفكر في تعضيد ركائز الاستقرار التي تمنع أشباح الحروب. إن دروس أزمة عام 1938 بل الأزمة المالية، التي اندلعت في عام 2008، عندما أدت المخاوف بشأن الخسائر الضئيلة نسبياً في قروض الرهن العقاري إلى قدر أكبر من عدم اليقين بشأن كيفية تأثر المؤسسات المالية الكبرى، مهمة جدا وعلينا استقاء العبر الكثيرة منها. إذ كانت النتيجة عمليات بيع هائلة وذعر عام.
واليوم، تتفاقم حالة عدم اليقين بفعل عوامل جديدة، مثل ظهور العملات الرقمية وأنظمة الدفع وتسليح تجارة الطاقة، ولكن هل يُشكل وقف واردات الطاقة الروسية إلى أوروبا حقاً إجراء انتقامياً فعالاً؟ قد تعتبر بعض الدول الأوروبية - وخاصة ألمانيا - أن مثل هذه العقوبات تشكل تهديداً أكبر عليها مقارنة بتهديدات أكثر حدة.
هناك قول مأثور عن ميونيخ: لا تسترضِ أبداً، وبعد عام 1945، أدى ذلك في كثير من الأحيان إلى عواقب وخيمة، ففي عام 1956، على سبيل المثال، كان رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن (الذي استقال من منصبه كوزير للخارجية في عام 1938، قبل بضعة أشهر فقط من اتفاقية ميونيخ) مُخطئاً حين تعامل مع الرئيس المصري جمال ناصر باعتباره هتلر الجديد.
إن الدرس الحقيقي المُستفاد من ميونيخ هو أن هناك سبلاً للتعامل مع سيكولوجية التورط السياسي. لقد فاز هتلر بالمسابقة في ميونيخ، لأنه اكتسب هيمنة فريدة على أوروبا الشرقية والوسطى، لكنه سرعان ما أصبح محبطًا لأن الفرص التي يُقدمها التهديد بنشوب صراع قد اختفت.
إن العالم مطالب بالتآزر لزرع ركائز عمل جماعي مفيد الآن يتصدى لأخطار عدم الاستقرار في مناطقه كافة. علينا ان نمنع ونطوق كافة فتائل النزاع وان نطلق مبادرات نوعية مجدية نستطيع معها نشر الأمان والاطمئنان.
* أستاذ التاريخ والشؤون الدولية بجامعة برينستون، ومؤلف كتاب «حرب الكلمات: مسرد العولمة»
(مطبعة جامعة ييل، 2021).