تُواصل حكومات العديد من الدول، ولا سيما الحكومة الصينية، تجربة العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs). تتقدم العملة الرقمية «Money 3.0» بسرعة فائقة، وفي ظل التقرير الأبيض الذي أصدره مؤخراً بعنوان «الدولار الأمريكي في عصر التحول الرقمي»، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، المُتخلف بوضوح، يُلقي بثقله ولو بشكل ضئيل.

يضع بنك الاحتياطي الفيدرالي معياراً صارماً لاستخدام الدولار الرقمي بالتجزئة. بداية، تم إخبارنا أن الشكل الجديد للمال يجب أن يوفر فوائد على نحو أكثر فعالية من الأساليب الأخرى، وهذا يعني على الأرجح العملات الرقمية المُستقرة المرتبطة بالدولار والحسابات المصرفية القائمة. على سبيل المثال، تتلخص إحدى الفوائد المزعومة للدولار الرقمي في توفير «التسديد الفوري» للمدفوعات الصغيرة، وهو ما تُحققه العملات الورقية بالفعل، كما يعتزم بنك الاحتياطي الفيدرالي تقديم مدفوعات إلكترونية على مدار 24 ساعة من خلال البنوك في القريب العاجل.

يكمن التحدي الأكبر على الإطلاق في اشتراط الاحتياطي الفيدرالي أن تفوق المكاسب المتوقعة من استخدام الدولار الرقمي أي مخاطر قد تنشأ عن ذلك. هذه عقبة صعبة للغاية، لكنها منطقية.

ليس من الصعب فهم السبب وراء مقاومة بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل خاص لأي تغيير كمي في النظام المالي القائم. ومن ناحية أخرى، فإن الهيمنة الدولية للدولار تجلب للولايات المتحدة العديد من الفوائد، والتي تشمل خفض أسعار الفائدة التي يتعين على المواطنين والشركات الأمريكية دفعها. وتمنح هيمنة الدولار السلطات الأمريكية نفوذاً على تقنية «السباكة» الخاصة بالنظام المالي العالمي، وتسمح هذه الهيمنة للولايات المتحدة بفرض عقوبات مالية هائلة.

وبينما تقود البنوك المركزية الأخرى عملية تداول العملات الرقمية، فإن البعض يخشى أن يجد بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه في موقع شركات التصوير التقليدية بعد ظهور التصوير الرقمي، أو في موقع صانعي الساعات الميكانيكية بعد أن أصبحت الساعات الرقمية واسعة الانتشار.

ومع ذلك، هناك سبب آخر أكثر غموضاً وراء إحجام بنك الاحتياطي الفيدرالي عن تبني الدولار الرقمي: لا تزال الولايات المتحدة تُشكل في الأساس دولة ديمقراطية ونظام اقتصاد السوق. وعلى الرغم من أن الحكومة تتمتع بسلطة تنظيمية وقانونية كبيرة لفرض اعتماد عملتها الرقمية، إلا أن هذا ينطبق إلى حد معين فقط. لا يمكن إجبار الرأي العام الأمريكي على قبول انتقال لا يرغب به.

تتلخص إحدى القضايا الغائبة بشكل واضح عن التقرير الأبيض الذي أعده مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي في كيفية تخطيط بنك الاحتياطي الفيدرالي لتنظيم التقنيات المالية اللامركزية لويب الجيل الثالث 3.0 (الإصدار التالي من الإنترنت)، وهو المجال الذي كثيراً ما تغيب فيه السلطات الأمريكية عن الساحة. وعلى وجه الخصوص، يتعين على الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة بشكل عاجل بذل المزيد من الجهود لتوجيه وكبح نمو العملات الرقمية المُشفرة الخاصة ومشتقاتها العديدة.

ولقد جادل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بأن تقديم عملة رقمية للبنك المركزي الأمريكي من شأنه أن يقلل الطلب على العملات المُشفرة، والذي يُعد أحد دوافع بنك الاحتياطي الفيدرالي لإصدار تقريره الأبيض.

لا يمكن تجنب الحاجة إلى التنظيم الصارم لاستخدام العملات المشفرة في الاقتصادات المتقدمة الآن، والعملات الرقمية للبنوك المركزية في البلدان الأخرى عند دخولها حيز الاستخدام الدولي. إن إحجام مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن التسرع في إطلاق الدولار الرقمي أمر مفهوم، لكنه ليس مُبرراً لبطء وتيرة الإصلاح التنظيمي.

 

* كبير الاقتصاديين السابق لصندوق النقد الدولي، وأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة هارفارد.