في مختلف أنحاء أوروبا، حفزت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إعادة النظر في كل أبعاد الأمن تقريباً، من الدفاع إلى الطاقة. غير أن الاهتمام الذي حظي به التأثير المحتمل الذي قد تخلفه هذه الحرب على الأمن في شرق آسيا، وخاصة في تايوان واليابان، كان أقل كثيراً. لكن التحول القادم قد يكون على نفس القدر من العمق.

الواقع أن الحرب على الرغم من كونها بعيدة، تشكل خطراً بالغاً على منطقة شرق آسيا. والصين تراقب الصراع ــ واستجابة الغرب له ــ عن كثب.

إن إرهاصات هذه الأحداث العالمية وما كشفت عنه من مواقف، تعني وتفرض ضمنا إعادة النظر في بعض المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الأمن الياباني ــ بدءاً من الدستور السلمي الذي صيغ تحت إشراف الجنرال الأمريكي دوجلاس ماك آرثر أثناء احتلال الحلفاء لليابان بعد الحرب العالمية الثانية، على النحو الذي يضمن أن اليابان لن تشكل تهديداً للآخرين بعد ذلك أبداً.

شددت المادة التاسعة من الدستور على مُـسالَـمة اليابان بعد الحرب: «في تطلع الشعب الياباني بإخلاص إلى السلام الدولي القائم على العدل والنظام، فإنه يتبرأ إلى الأبد من الحرب كحق سيادي للأمة والتهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعلياً كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية. وعلى هذا فلن تحتفظ اليابان أبداً بقواتها البرية والبحرية والجوية، فضلاً عن أي إمكانات حربية أخرى. ولن يُـعـتَـرَف بحق الدولة في الدخول في أي حرب».

جرى تفسير المادة التاسعة بشكل أكثر تساهلاً بعض الشيء أثناء الحرب الكورية، من أجل إعطاء اليابان بعض القدرة على الدفاع عن نفسها. في عام 1954، تم إنشاء قوات برية وبحرية وجوية محدودة، بموجب قانون قوات الدفاع عن الذات الجديد آنذاك.

مع ذلك، يفترض دستور اليابان بشكل أساسي أن التهديدات التي تتعرض لها البلاد ليست كبيرة بالقدر الذي يجعل من الضروري السعي إلى اكتساب قدرة عسكرية كبيرة. كما تنص ديباجته: «نحن، الشعب الياباني، نرغب في السلام الدائم وندرك تمام الإدراك الـمُـثُـل العليا التي تحكم العلاقات الإنسانية، ونحن عازمون على الحفاظ على أمننا ووجودنا، وكلنا ثقة في العدالة وفي إيماننا بشعوب العالَـم الـمُـحِـبة للسلام». (وأضيفت تأكيدات أخرى).

بعبارة أخرى، إذا بقيت اليابان منزوعة السلاح، فلن تكون دول أخرى عُـرضة للتهديد من جانبها، ولن تهاجمها أي دولة أخرى. كان كثيرون من جناح اليسار في اليابان يرددون هذا المنطق، بحجة أن نزع السلاح والحياد يشكلان معادلة للسلام.

ولكن ليست محبة السلام معزوفة وشعاراً عالمياً يلتزم به الجميع.

مع وضع هذه الحسابات في الاعتبار، يسعى الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم إلى تعديل الدستور ليذكر صراحة حق اليابان في الدفاع عن نفسها والاعتراف بقوات الدفاع عن الذات. وحتى رئيس الوزراء الـمُـسالِم فوميو كيشيدا يؤيد التعديل، قائلاً إنه سيدفع البرلمان إلى مناقشته.

علاوة على ذلك، دعـا بعض اليابانيين، وأبرزهم شينزو آبي، إلى توسيع المعاهدة الأمنية المبرمة بين الولايات المتحدة واليابان لتشمل ترتيبات المشاركة النووية، كما هي الحال داخل حلف شمال الأطلسي. من منظور دولة تعهدت قبل أكثر من نصف قرن من الزمن بالامتناع إلى الأبد عن إنتاج أو امتلاك أو استضافة أسلحة نووية، يشكل هذا اقتراحاً مثيراً للجدال الشديد. في سبعينيات القرن العشرين، كان مثل هذا الاقتراح ليثير عاصفة نارية من الانتقادات. لكن برغم أن كيشيدا صرح بأن حكومته ليس لديها خطط لإعادة النظر في موقف اليابان بشأن الأسلحة النووية، فإن بعض الساسة المنتمين إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي متقبلون لمثل هذه المناقشة.

تُـرى إلى أي شيء قد تنتهي هذه المناقشة؟ من المؤكد انه قد ينشأ دافع قوي لدى اليابان لاتخاذ تدابير أكثر جذرية لضمان أمنها.

* وكيل وزارة المالية الأسبق في اليابان، وهو أستاذ في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، وكبير أساتذة المعهد الوطني للدراسات السياسية العليا في طوكيو.