لا يمثل التغير الكبير في سعر صرف الدولار مقابل الين مشكلة حقيقية، فقد دفع الأسعار في اليابان إلى الارتفاع في حين فرض ضغوطاً دفعت التضخم في الولايات المتحدة إلى الانخفاض.

هذا هو ما كان كلا البلدين يسعى إلى تحقيقه. وتسمح العملات المعومة لكل بلد بملاحقة السياسة النقدية التي تناسب ظروفه الخاصة.

ولكن مع احتمال استمرار التضخم العالمي المرتفع لبعض الوقت، ترتفع احتمالات نشوب حروب عملة عكسية. وبدلاً من السباق إلى القاع في سوق الصرف الأجنبي، ربما نشهد تدافعاً نحو القمة، ومن المرجح أن تكون الدول الأكثر فقراً هي الأشد معاناة في هذه العملية.

على مدار العام الماضي، ارتفعت قيمة الدولار الأمريكي مقابل اليورو بنسبة %12، وعند مستوى 0.93 من اليورو، يقترب من سعر التكافؤ. إذا بدت أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى المقومة بالدولار مرتفعة الآن، فإنها تبدو أكثر ارتفاعاً باليورو.

مع ارتفاع قيمة العملة الأمريكية، وارتفاع معدلات التضخم في العديد من البلدان إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود من الزمن، فربما ندخل الآن ما يسمى «حروب العملة العكسية»، حيث تتنافس البلدان لتعزيز قيمة عملاتها أمام العملات الأجنبية.

في الأصل، كان مصطلح «حروب العملة» وصفاً مزخرفاً لما أسماه خبراء الاقتصاد الدولي لفترة طويلة «خفض القيمة التنافسي» ، أو بعد أن بدأ تعويم أسعار الصرف في أوائل سبعينيات القرن العشرين، «إنقاص القيمة التنافسي». في هذه المواقف، تشعر البلدان بالظلم لأن شركاءها التجاريين يتعمدون ملاحقة سياسات تهدف إلى إضعاف عملاتها من أجل اكتساب ميزة غير عادلة في التجارة الدولية.

قد ينشأ خفض القيمة التنافسي عندما تتضمن أهداف الاقتصاد الكلي الرئيسية في كل البلدان، بالإضافة إلى تعظيم نمو الناتج المحلي الإجمالي وتشغيل العمالة، تحسين موازينها التجارية، وهذا يصف بشكل عام العقود القليلة الأخيرة في الاقتصاد العالمي.

من ناحية أخرى، تنطوي حروب العملة العكسية على رفع قيمة العملة التنافسي. هنا، تتصور البلدان أن شركاءها التجاريين يحاولون عمداً تعزيز قوة عملاتهم من أجل كبح جماح التضخم، وهذا من الممكن أن يصف الفترة التي بدأت في عام 2021، عندما عاد التضخم ليفرض مشكلة عصيبة في أغلب البلدان.

في كلتا الحالتين، من المستحيل أن تلاحق كل البلدان مثل هذه الاستراتيجيات، لأنها من غير الممكن أن تحرك أسعار الصرف في ذات الاتجاه في وقت واحد. يُـنـظَـر إلى خفض القيمة التنافسي أو رفع القيمة التنافسي غالباً على أنه دليل على الافتقار إلى التعاون الدولي لتحقيق استقرار أسعار الصرف، والذي يتسبب في بعض الأحيان في إطلاق الدعوات المنادية بترتيب جديد.

كانت الولايات المتحدة تسارع عادة إلى الادعاء بأن عملات الدول الأخرى مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية بشكل غير عادل.

صيغت عبارة «حرب العملات» في عام 2010 من قِـبَـل قادة برازيليين احتجاجاً على السياسات النقدية التي تنتهجها الولايات المتحدة، واليابان، ودول أخرى. زعم صناع السياسات البرازيليون أن نظراءهم الأمريكيين واليابانيين خفضوا أسعار الفائدة إلى الصِـفر، ثم زادوا الأمر سوءاً على سوء بتقديم التيسير الكمي، متعمدين خفض قيمة الدولار والين، وبذلك تعزيز صافي الصادرات، وتصدير البطالة إلى شركائهم التجاريين.

على نحو مماثل، لا أحد اليوم يتهم السلطات الأمريكية باستخدام التدخل في الصرف الأجنبي لرفع قيمة الدولار. بل تدور الشكوى حول تسبب زيادات أسعار الفائدة الحالية من قِـبَـل الاحتياطي الفيدرالي في اجتذاب تدفقات رأس المال إلى الولايات المتحدة وتعزيز قوة العملة الأمريكية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة دولياً، وبالتالي الإبقاء على النمو العالمي دون المستوى الذي من الممكن أن يكون عليه.

* أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.