يمكن تكرار النجاح الذي حققته تكنولوجيا الهاتف المحمول في أفريقيا في قطاع المناخ مع تجارب الاستدامة والحفاظ على البيئة، ولسنا بحاجة إلى الانتظار حتى تحصل حكومات أفريقيا التي تعاني من ضائقة مالية وكذلك القطاع الخاص على التمويل. وبدلاً من ذلك، يجب أن ندفع بأجندة التعويضات المناخية قدماً. فهناك أموال متاحة، كما يجب أن تسدد الدول التي تخلت مراراً وتكراراً عن وعودها بتقديم المساعدة المالية، ديونها. وتتضمن هذه الدول الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، والمملكة المتحدة، ومعظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وبمقدور القطاع الأخضر القوي أن يمنح أفريقيا ما تحتاجه من روافع اقتصادية لمساعدة المزيد من الناس على العيش بصورة أفضل، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، ولكن أيضاً من حيث الوصول إلى الطاقة. ولن نحتاج إلى الاعتماد على أنظمة توزيع الطاقة التي عفا عليها الزمن، والتي تملكها الحكومات التي تفتقر إلى الموارد المالية، أو الحافز للاستثمار في توسيع الشبكة الطاقية لتشمل الجميع. إذ توفر مصادر الطاقة المتجددة فرصة أمام القارة حتى تتخطى الأنظمة القديمة، وتبني طرقاً جديدة لا مركزية لتوفير طاقة منخفضة التكلفة وموثوقة للجميع.
إن أفريقيا ستكون المنطقة الأكثر تضرراً من تغير المناخ. ويصور السرد الذي تعززه صور الجفاف والمجاعة والفيضانات، مزارعينا، وصيادي الأسماك، والقرويين على أنهم ضحايا. ولكن وجهة النظر التي تصور تغير المناخ على أنه مصدر الكوارث لم تحفز العمل المناخي بأي شكل من الأشكال؛ لذلك نحن بحاجة إلى إعادة النظر في معالجة تغير المناخ. ويجب أن نبدأ بإدراكنا أن أزمة المناخ ليست فقط مصدر الكوارث والبؤس، على الرغم من المظاهر التي تشير إلى عكس هذه النقطة، وعلى الرغم من تحذيرات ناشطين مثل غريتا ثونبرغ. فعلى غرار جائحة «كوفيد 19»، تعد أزمة المناخ فرصة لإعادة ضبط العالم الذي يمكن أن يقدم الكثير لأفريقيا.
وستسمح إعادة النظر هذه بالتنمية المركزة، وتوسيع نطاق التكيف مع المناخ وابتكارات التخفيف، التي يمكن أن تحفّز التنمية الاقتصادية لأفريقيا. إذ لدينا كل ما يلزم لبناء قطاع الطاقة المتجددة، بما في ذلك طاقة الرياح، والطاقة المائية، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية. ولدينا أيضاً ما يلزم من الكوبالت، والغرافيت، والليثيوم، والمنغنيز لإنتاج البطاريات الكهربائية، وما يلزم من الصلب، والزنك، والألمنيوم لبناء توربينات الرياح، وغيرها من التقنيات منخفضة الكربون. ويمكن للصناعات الخضراء أن تخلق فرص عمل، وتعزز الأعمال التجارية، وتحفز الاقتصادات في أفريقيا وفي الوقت نفسه إنقاذ الكوكب؛ ولكن القطاع لا يحظى بما يكفي من الاستثمارات.
فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «تويوتا» اليابانية لصناعة السيارات أخيراً أنها ستستثمر 624 مليون دولار في الهند لتصنيع مكونات السيارات الكهربائية، مما سيخلق 3500 وظيفة. ويمكن، بل ينبغي، أن تُنجز مثل هذه المشاريع في أفريقيا.
وخلال العقدين الماضيين، جذبت أفريقيا %2 فقط من مليارات الدولارات من الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة، وأقل من %3 من الوظائف التي ولدت في هذا القطاع المتنامي. وسوف تتطلب زيادة هذه الأرقام أن تخلق الحكومات الأفريقية بيئة صديقة للاستثمار، وأن تتفاوض بفاعلية أكبر لجذب الشركات، وأن تُصِر على خلق فرص عمل محلية، وتقديم المساعدة الفنية لبناء قدرة الطاقة النظيفة في القارة.
كذلك، يجب أن يرفع الشباب الأفارقة الذين يتظاهرون من أجل التغيير لافتات تدعو حكوماتهم إلى توفير «وظائف مناخية» و«فرص مناخية»، بدلاً من أن يتوقعوا منها «إنقاذ الكوكب». ويجب أن يمارسوا ضغوطاً على صانعي السياسات من أجل جذب ما يلزم من الاستثمارات واسعة النطاق للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمعدلات كبيرة.
وأحرزت أفريقيا تقدماً مماثلاً في مجال الاتصالات عبر الهاتف المتنقل. إذ أجريت أول مكالمة عبر الهاتف المحمول في القارة، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، عام 1987. واليوم، تملك أفريقيا سوق اتصالات عبر الهواتف المتنقلة الأسرع نمواً في العالم، وثاني أكبر سوق للهواتف المحمولة بعد آسيا. وفي غضون 35 عاماً فقط، تمكن القطاع من ربط أكثر من نصف مليار شخص، وخلق آلاف الوظائف، وأدى إلى ظهور شركات محلية ناجحة. وبفضل التكنولوجيا الجديدة، والبنية التحتية والهواتف المحمولة منخفضة السعر، والأسواق التنافسية، والبيئة التنظيمية التمكينية، ونماذج الأعمال المصممة للسوق الشامل، تفادت أفريقيا التحدي المتمثل في بناء البنية التحتية للخطوط الثابتة.
لذا، لن نتحدث عن الكوارث أو الأزمات المناخية بعد الآن، بل عن فرص المناخ في أشكال الوظائف، وريادة الأعمال، والتمويل. وعلى غرار بائع الأحذية الذي رأى فرصة هائلة بينما لم ير زميله أي شيء، دعونا نعيد النظر في النهج الذي نسوق به العمل المناخي للأفارقة.
* مؤلفة وسيدة أعمال، وهي المديرة التنفيذية لمنظمة Africa No Filter