تواجه أمريكا اللاتينية ثلاث مشكلات اقتصادية كلية رئيسية: نمو دون المستوى، وعجز مالي، وتزايد معدلات عدم المساواة بسبب الفقر. ويتطلب حلها ومعالجتها في وقت واحد، واعتماد استراتيجية تأخذ في الاعتبار التفاعلات المعقدة للمشكلات مع بعضها البعض.
وكانت أمريكا اللاتينية تشهد نمواً اقتصادياً دون المستوى قبل وقت طويل من اندلاع أزمة كوفيد 19، وذلك بسبب انخفاض الإنتاجية وتراجع نمو الاستثمار. إذ انخفض متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد بنسبة 0.7 في المئة في الفترة ما بين 2015 و2019، وهو أقل بكثير من متوسط النمو الإيجابي للاقتصاد الصاعد والنامي البالغ 2.9 في المئة. وقد زاد الوباء من ضعف آفاق النمو في المنطقة، وأدى إلى انتعاش غير متكافئ قد يؤدي، في غياب الإصلاحات الهيكلية، إلى «عقد ضائع» آخر.
وبسبب الوباء أصبحت أمريكا اللاتينية تعاني من اختلالات مالية كبيرة وأعباء الديون. إذ في الفترة ما بين 2019 و2020، قفز العجز المالي من 4 في المئة إلى 8.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (في المتوسط)، وارتفعت نسب الدين بمقدار تسع نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالفعل، يكافح صناع السياسة لتلبية مطالب الناخبين بزيادة مستوى الرفاهية الاقتصادية، كما أن المكاسب في مستويات المعيشة انهارت في السنوات الأخيرة. ويعكس هذا إلى حد ما نقطتي ضعف كانت المنطقة تعاني منهما بصمت لعقود من الزمان، وكشف عنهما الوباء.
أولاً، تغيب أحياناً قدرة الدولة اللازمة لتقديم خدمات عامة عالية الجودة ومتاحة على نطاق واسع. كان هذا واضحاً من خلال التنفيذ غير المتكافئ لسياسات احتواء الفيروس، وبطء الاستجابة فيما يتعلق بالرعاية الصحية وعمليات التطعيم في بعض المناطق، والخسائر التعليمية الناشئة عن الثغرات اللوجستية والتناقضات فيما يتعلق بالوصول إلى الأدوات الرقمية أثناء إغلاق المدارس لفترة طويلة.
وكان واضحاً أيضاً من خلال تزايد انعدام الأمن الغذائي. إذ يقول آخر تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، أن نسبة الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ارتفعت من 31.9 في المئة في عام 2019 إلى 40.9 في المئة في عام 2020.
وكانت هذه الزيادة مدفوعة في المقام الأول بالانكماش الاقتصادي الناجم عن الوباء ونقص الدعم الكافي للفئات الضعيفة خلال الأزمة، على الرغم من أن العوامل الأخرى، مثل النزاعات العنيفة والكوارث الطبيعية، قد تكون أسهمت في ذلك أيضاً. والآن يهدد التضخم بزيادة انعدام الأمن الغذائي إلى معدلات أعلى.
ويمكن أن تترك هذه الإخفاقات ندوباً اقتصادية واجتماعية دائمة إذا لم تعالج.
وهذا يعني أنه في الوقت الذي يحاول فيه صانعو السياسات تحفيز النمو وإعادة بناء الحيز المالي، يجب أن يدركوا ما يعانيه الناخبون من إحباط في ظل عدم المساواة وانعدام الثقة الواسع النطاق في الحكومة، وينبغي أن يستجيبوا له.
وهنا، يحمل الإصلاح الضريبي الذي اعتمدته كولومبيا عام 2021 دروساً قيمة. إذ كان لا بد من تعديل الاقتراح الأصلي لإصلاح ضرائب القيمة المضافة والدخل من أجل سنِّه، بعد احتجاجات الشوارع واسعة النطاق.
إن تقليل التأثير الاجتماعي للسياسات الاقتصادية ليس مجرد مسألة أخلاقية بل أيضاً مسألة استقرار. إذ لا يمكن للسياسات التي تهدف إلى ضمان الاستدامة المالية أن تنجح إلا إذا كانت مستدامة اجتماعياً وسياسياً. وتحقيقاً لهذه الغاية، يجب استكمالها بسياسات تعزز النمو الهيكلي. ولا يمكن لصانعي السياسات إهمال أي جزء من هذه المشكلة إذا كانوا يتطلعون إلى تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية مستدامة.
* الرئيس السابق للبنك المركزي البرازيلي، ومدير إدارة نصف الكرة الغربي في صندوق النقد الدولي