ربما يكون بوسعنا أن نتسامح مع الإدارة المروعة للنقود (أو تُرى هل كان في الأمر احتيال؟) التي تركت شركة FTX ولم يعد تحت يدها غير أقل من مليار دولار في حين بلغت الخصوم المستحقة عليها 9 مليارات دولار. فهذا النوع من الأمور كان من المعروف أنه يحدث أيضاً للبنوك.
لنتسامح أيضاً مع المحاسبة المبهمة، والقروض ذات الضمانات الوهمية، وثمانية مليارات دولار وضعها شخص ما «بالصدفة» في غير محلها. فمثل هذه الحوادث المؤسفة تقع أيضاً في براتفا الروسية، وكامورا الإيطالية.
ولنتجاوز عن الخطاب الـمُـبالَغ فيه حول العملات الرقمية المشفرة باعتبارها الـمُـنَـشِّط المعجزة ليس فقط للنمو الاقتصادي، بل وأيضاً «لجهود الحد من الحرب والفساد وجلب المزيد من السعادة».
ما لا يغتفر حقاً هو أن صناعة العملات الرقمية المشفرة، خلال 14 عاماً منذ ظهور البيتكوين، فشلت في إنتاج أي شيء ذي قيمة. أين المصانع التي بنيت بالعملات الرقمية المشفرة؟ أين السلع والخدمات الجديدة التي أتاحتها؟
على النقيض من النقود الورقية التي يُفتَرَض أنها مريبة، فإن «قوانين الرياضيات» فقط هي التي تحكم العملات المشفرة، حيث تعمل خوارزمية على تحديد مقدار العملات المشفرة التي يمكن «تعدينها». كلما ازداد عدد الوحدات التي تنتجها، ازدادت تكلفة الوحدة التالية. ولا يستطيع أي أحد تحركه دوافع سياسية خفض قيمة العملات المشفرة.
الواقع أن الناس في مختلف أنحاء العالم (وليس فقط مواطني الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) يسعدهم الاحتفاظ بعملات مثل الدولار واليورو لسببين. الأول حدده جون ماينارد كينز، الذي زعم في كتابه «النظرية العامة» أن «حقيقة ثبات العقود واستقرار الأجور إلى حد ما عادة تلعب دون أدنى شك دوراً أكبر في اجتذاب علاوة سيولة بالغة الارتفاع للأموال النقدية».
إذا كان راتبي الشهري محدداً بالدولار، وكذا الأسعار في السوق المركزية، فبوسعي أن أكون متأكداً تماماً كم عدد الكيلوغرامات من الأرز التي سأتمكن من شرائها بدولاراتي. لذلك، يسعدني أن أحتفظ بالدولارات، للمعاملات في المقام الأول ولكن أيضاً لتخزين الثروة. وهنا يتبين لنا قصور العملات المشفرة: فلا شيء مُسَعَّر في السوق المركزية بعملة البيتكوين أو ما يعادلها، ولا أحد يتلقى راتبه بعملة مشفرة.
السبب الآخر الذي يجعل المقيم في الولايات المتحدة سعيداً بحيازة الدولارات (أو المقيم في منطقة اليورو بحيازة اليورو) هو أن الحكومة تضع حداً أدنى لسعر تلك العملة من خلال السماح بسداد الضرائب بها. أي أن قيمة الدولار في الأسواق المالية من غير الممكن أن تقل أبداً عن القيمة التي يسترد بها العم سام ذلك الدولار عندما تسدد الضرائب المستحقة عليك.
كان فرانك هان أول خبير اقتصادي يفهم هذه المعضلة. في عام 1965، أوضح هان أن الأصول المالية التي لا تحمل قيمة بطبيعتها مثل العملات المشفرة ليست كمثل أي سلعة أخرى. فإذا كان سعر الخبز الفرنسي صِفراً، فسيكون الطلب عليه ضخماً، لأن الجميع سيرغبون في تناول ذلك الرغيف العديم التكلفة. على النقيض من هذا، إذا كان سعر أحد الأصول مثل البيتكوين صـفراً، فسيكون الطلب عليه أيضاً صـفراً، لأن المرء لا يستطيع أن يأكله أو يسدد به الضرائب.
ما أسماه رجل الاقتصاد العظيم تشارلز كيندلبيرجر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «الهوس، والذعر، والسقوط» هو المعيار الذي يتحكم في العملات المشفرة، وليس الاستثناء.
* مرشح رئاسي ووزير مالية سابق في شيلي وعميد كلية السياسة العامة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية