لقد آن الأوان للتفكير في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. وتبدو أوروبا الآن وفي الفترة المقبلة، بحاجة إلى الكثير من التضامن والعمل المشترك الذي يفيد في تعزيز جهود إعادة الإعمار وإطلاق الكثير من المبادرات المهمة والناجعة في تعزيز السلم العالمي. ومع ذلك، سيأتي الاختبار الكبير التالي عندما تنتهي الحرب. عندما يخوض الجميع صراعاً وجودياً، فإنهم يُدركون أن هناك حاجة إلى تدابير الأزمة، وأن الحد من الالتزام ببعض قواعد الميزانية يمكن أن يؤدي إلى كارثة. لكن في نهاية المطاف، يجب أن تنتهي حالة الاستثناء، وهنا يأتي دور الخيارات الحقيقية. إذا ارتبطت العودة إلى نظام قائم على القواعد بالبؤس الاقتصادي - كما حدث في العام 1920 - فسوف يبوء بالفشل.
من المؤكد، أنه تم تنظيم بعض المؤتمرات الدولية رفيعة المستوى (في برلين ولوغانو)، وقد ركزت هذه المناقشات بشكل حاسم على احتياجات: حجم التمويل المطلوب، وأنواع الضوابط التي ينبغي فرضها لمكافحة الفساد.
ولا بد للجميع في الفترة المقبلة، من أن يتعلموا من تجارب مهمة في الخصوص، لتخطي أزمات الحروب وما خلفته، وقعت بعد الحرب العالمية الثانية. فقد واجه أنصار الديمقراطية الألمانية خياراً مستحيلاً في العام 1919. إذ كانوا مُلزمين بالتوقيع على معاهدة سلام يتحملون فيها الالتزامات المالية المترتبة على الصراع الذي شنه القيصر فيلهلم الثاني. ونتيجة لذلك، واجهت جمهورية فايمار التي لم تدم طويلاً انتقادات مستمرة بأنها بيعت إلى الغرب.
إن المسار الأفضل هو ذلك الذي اتخذته خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية. لن تنجح عملية إعادة البناء إلا إذا تم تصورها من منظور عالمي. ويتعين على المجتمع الدولي جعل عملية إعادة البناء جزءاً من جهد أوسع نطاقاً. بعد كل شيء، هناك حاجة أيضاً إلى إعادة الإعمار بعد الصراع في سوريا والعراق والسودان وأماكن أخرى من العالم.
وعلى القدر ذاته من الأهمية، يجب تشجيع القوى المهزومة على إدراك بأنها كانت في السابق على المسار الخطأ. وهذا ما حدث في ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. وبمجرد تفكيك آلية النظام الاستبدادي، استفادت كل من هذه البلدان من ازدهار الليبرالية السياسية والاقتصادية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين
يتمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه أوكرانيا اليوم في أنها نمت ببطء شديد منذ التسعينيات، حيث أصبحت متخلفة أكثر فأكثر عن جارتها المجاورة، بولندا التي اعتمدت على نموذج اقتصادي لتصدير السلع الأساسية بلغ الآن حده الأقصى. ينطبق ذلك على دول ما بعد الاتحاد السوفيتي، ولهذا السبب كانت كازاخستان تبحث منذ فترة طويلة عن مسار جديد للتنمية ما بعد النفط والغاز.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فمن الواضح أن ديناميكيتها في مرحلة ما بعد الحرب ستعتمد على استعادة المخزون السكني في البلاد، وإمدادات الطاقة، والمستشفيات، والمدارس، وغيرها من مشاريع البنية التحتية. لكنها ستعتمد أيضاً على ما إذا كان بإمكانها التخلي عن الاعتماد على استخراج الموارد الطبيعية. ومن حسن الحظ أن العديد من نقاط القوة نفسها التي استندت إليها أوكرانيا في الدفاع عن نفسها سوف تفيد أيضاً انتعاشها الاقتصادي. وكانت كييف بالفعل مركزاً لتطوير البرمجيات قبل الحرب،. وهذه هي على وجه التحديد المهارات والقدرات التي ستكون مطلوبة لبناء اقتصاد حديث يشتمل على الخدمات الأساسية الرقمية، فضلاً عن عناصر أساسية من الإلكترونيات والذكاء الاصطناعي.
بعد الأزمة الأولية الناتجة عن اندلاع جائحة (كوفيد 19)، تبنت العديد من الحكومات شعار «إعادة البناء بشكل أفضل». بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يجب علينا إعادة البناء بشكل أفضل على الصعيد العالمي. ويعتمد ظهور نظام دولي جديد أكثر استقراراً على تحقيق هذا الهدف.