بعد مرور عام على اندلاع الحرب في أوكرانيا، تستعد ألمانيا لتسليم 14 دبابة من طراز Leopard 2 إلى كييف. لكن ما السبب وراء هذا التحول المذهل؟

الواقع أن الغرب يرى أن وقف تقدم روسيا يشكل مصلحة استراتيجية جوهرية، للحيلولة دون تقويض النظام الأوروبي.

لكن هذا المنطق لا يحل لغز العزيمة الألمانية الجديدة التي تتحمل مسؤوليتها إزاء ما يحدث كونها أغنى دولة في أوروبا وأكثرها سكاناً. بيد أن التفسير الأفضل في هذا المجال، قد يتمثل في حقيقة المساومة بين ضفتي الأطلسي، واضطرار أوروبا لاتباع «الزعيم الحقيقي»، الولايات المتحدة.

فعلى مدى عدة أشهر، كان المستشار الألماني أولاف شولتس يحتمي وراء رفض الرئيس الأمريكي جو بايدن إرسال الدبابة الأمريكية «أبرامز» إلى المعركة الدائرة في أوكرانيا. وكان شعار المستشار الألماني متمثلاً في عبارة «لا تفعل ذلك بمفردك». ولهذا، ظلت المشاحنات تتصاعد خلف الكواليس.

وفي النهاية، وافق بايدن، رغم أن الدبابة «أبرامز» قد لا تكون مثالية للقتال في أوروبا الشرقية. إذ يتردد بأنها أثقل من أن تناسب التضاريس الأوكرانية الرطبة اللينة، وإنها تتطلب عمليات إعادة إمداد معقدة، فهي على سبيل المثال تعمل بوقود الطائرات، وليس الديزل، كما يتطلب تشغيلها وجود أفراد صيانة على مستوى عالٍ من التدريب.

لكن هذه أمور فنية مريحة يعشقها منتقدو الصفقة. المهم في الأمر حقاً هو الرمزية. فالالتزام من جانب الولايات المتحدة يطمئن ألمانيا، التي حاولت (منذ أطلق المستشار الألماني فيلي برانت في سبعينيات القرن العشرين سياسته الشرقية) بناء علاقات طيبة مع الكرملين. لهذا السبب ظلت الحكومات الألمانية متمسكة بمشروع نورد ستريم 2، وهو خط الأنابيب الذي يجلب الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا دون المرور بأوكرانيا وبولندا. (حتى اندلاع الحرب، كانت روسيا تستأثر بنسبة 55 % من واردات ألمانيا من الغاز).

وفي المقابل، استخف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بالقرار الأمريكي، مشيراً إلى أن الدبابات الأمريكية والألمانية «مـبالغ في تقدير قوتها بوضوح» وسوف «تحترق مثلها مثل كل الدبابات الأخرى».

لذا، نجحت مناورة شولتس بفضل الدعم الأمريكي، وفقاً لمبدأ: «أنت تساعدني، وأنا سأساعد كييف». وهذا هو التفسير الحقيقي للاستراتيجية الألمانية الجديدة.

فقد تخلت ألمانيا عن مشروع نورد ستريم 2. وانضمت إلى عقوبات أشد قسوة ضد روسيا. وهي تتقدم بفارق كبير عن فرنسا في قائمة الدول التي تزود أوكرانيا بالمال والأسلحة. كما تعهدت بتقديم 100 مليار يورو (109 مليارات دولار أمريكي) إضافية للقوات المسلحة الاتحادية الألمانية، الجيش الذي ركز طوال ثلاثة عقود من الزمن في تقليص عدد الجنود العاملين والمعدات. فمنذ أن رحل آخر جندي روسي عن أوروبا الشرقية في عام 1994، تقلصت قوة الدبابات الألمانية من 3000 إلى نحو 300 بقليل.

مع ذلك، ستظل تجربة ألمانيا باعتبارها «قوة سلام» تثني البلاد عن التخلي عن استراتيجيتها العريقة. ففي دراما الدبابات، كان لزاماً على الولايات المتحدة أن تتحرك أولاً حتى يتسنى لألمانيا أن تحذو حذوها.

فليس من المهم في هذا المجال أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يشكلان معاً ثاني أكبر اقتصاد في العالَـم، ويبلغ عدد سكانهما ثلاثة أضعاف سكان روسيا، إذ لا يزال الدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة حاسماً كأي وقت مضى. فعندما انتقد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما دول أوروبا ووصفها بأنها «رُكَّـاب المجان» وعندما وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأنها «كيان عتيق مُـهـمَـل»، فمن المؤكد أن بوتين أخذ هذه الملاحظات بعين الاعتبار.

لكن الأمور تغيرت في عهد الرئيس جو بايدن، فقد عاد العمدة الأمريكي إلى المدينة على رأس حشد غربي متوسع. حتى أن فنلندا والسويد المحايدتين منذ الأزل تندفعان الآن للالتحاق بعضوية الناتو.

لكن، إلى متى ستدوم وحدة الحلفاء هذه إذا ظلت الحرب غير محسومة؟ هذه قضية أخرى. نحن نعرف فقط كيف تبدأ الحروب، وليس كيف تنتهي.

 

* عضو مجلس تحرير صحيفة Die Zeit وزميل مؤسسة هوفر ومدرس السياسة الدولية في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة.