عدت من معرض الكتاب الدولي في الدار البيضاء (30 مارس ــ 7 أبريل) محمّلاً بذكريات جميلة، فعلى مدى هذه الفترة، عشنا مع مثقفين وكتّاب عرب وأجانب قدموا من أنحاء العالم في ما يمكن أن أطلق عليه "يوتوبيا عالم الكتب". فلم يكن لدينا حديث آخر سوى حديث الكتاب العربي الذي قطع شوطاً كبيراً. ومن جلساتنا مع الأدباء والكتّاب على هامش المعرض في المقاهي والمطاعم وغيرها، كنا نتداول أحاديث النميمة الناعمة، وغير المؤذية حول الناشرين.
ولعلي أوردت لهم انتقاداتي، مختزلاً إياها في تعبير "كاشرون"، وهي منحوتة من كلمتين "كاشير" أي المحصّل و"ناشر"، إذ إن بعض الناشرين العرب قد تحوّل إلى مجرد "كاشير" بل لا أبالغ إذا قلت وبعضهم الآخر قد تحوّل إلى حمّالين، من شدة جشعهم. فبدلاً من تفريغ وقته للقاء بالأدباء العرب والمثقفين المتواجدين في أروقة المعرض، كان هؤلاء يمسكون بكيس المال.
ويحصلون أثمان الكتب بأنفسهم، دون أن يفكروا لحظة واحدة أن "الكاشير" أو المحصّل مهنة مستقلة مثل المهن الأخرى. إضافة إلى ذلك، إن بعضهم لا يكف عن الحديث عن خسارة تجارته رغم الإقبال الكبير على شراء الكتب.
الصورة ليست قاتمة لهذا الحد، فهناك بعض الناشرين العرب الآخرين يعلون على أن يصبحوا مجرّد باعة كتب بل مثقفين يبحثون عن سلم ترقي الكتاب، ولا يملون في رحلة البحث عما هو جديد ومبتكر ومبدع عند الكتّاب والأدباء. إنهم صورة أخرى لمهنة الناشر بسلوكهم الراقي الذي يترفع ويبدع في تقديم نموذج متحضّر لما يمكن أن يكون عليه الناشر العربي، المختلف عن الـ"كاشرون"، هذه الكلمة التي أتمنى ألا تدخل في قاموس حياتنا الثقافية.