لا تزال الترجمة متعثرة في العالم العربي بسبب عدم وجود هيئة محكمة تنظمها وتعطيها الشرعية كما أن دور النشر العربية غير قادرة على الحكم على الترجمة لأنها لا تعتمد على مراجعة هذه الترجمات التي تظهر بين الحين والآخر. بعض المترجمين يقترفون جناية كبيرة على عالم الإبداع. فعلى سبيل المثال، هناك من يترجم الكوميديا الإلهية لدانتي، وهو عمل عظيم، لأنه تعلم الايطالية في شهرين دون أن يعلم أنه لا يوجد عبقري قادر على تعلم أية لغة في شهرين بل يحتاج إلى عقدين أو أكثر.
إن تعلم اللغة وحدها لا يسمح بترجمة عمل أساسي مثل الكوميديا الإلهية لأنها تتطلب إجادة اللاتينية ودراسة اللاهوت ولغة القرن الذي كُتب فيه هذا العمل. كما هو الحال بالنسبة للشاعر الألماني ريلكه. كما لا يمكن ترجمة الفيلسوف جاك دريدا دون دراسة أصول الفلسفة وتعقيداتها. وهناك من ترجم رامبو ونقل كتاب "قاموس رامبو" وجعله عبارة عن هوامش لترجمته، سارقاً بذلك جهود رجل بذل سنوات عمره في تأليف هذا القاموس.
من العجيب أن هؤلاء المترجمين عادة ما يترجمون أعمالاً قد سبق أن تُرجمت إلى اللغة العربية حتى دون الإشارة إلى الترجمات السابقة كما حصل مع أندريه بريتون. إن دور النشر العربية الضعيفة تساهم في هذه الجناية عندما تنشر الكتاب بدون مراجعة أو تمحيص كما أن ذاتية بعض المترجمين المتضخمة تجعلهم يتبجحون بترجمات هم غير مهيأين لهذا العمل.
لقد آن الأوان أن تتم مراجعة الترجمات الموجودة حالياً وخاصة لكبار المبجعين أمثال: دريدا ورامبو ودانتي وريلكه الذي يحتاج كل منهم أن ينفق المترجم حياته بكاملها للإحاطة بعوالمهم الإبداعية، وإخراج الأخطاء الفادحة التي ارتكبت بحق نصوصهم. هذا الوضع يحيلني إلى تذكر ناشر بريطاني سئل في حوار إذاعي ذات مرة: "هل هناك ترجمات سيئة في بريطانيا؟"
فأجاب: "إن الوضع الثقافي في بريطانيا لا يسمح بظهور ترجمات سيئة". وللأسف الشديد أن الوضع الثقافي في العالم العربي يسمح بظهور الترجمات السيئة بل ويشجع عليها في غياب المؤسسات العلمية الجادة.