تحمست كثيراً عندما عرض عليّ الناشر جمال الشحي مشروعه بتدوين سيرة حياة المكفوف بصرياً الكاتب والاعلامي والاذاعي والمسرحي الإماراتي محمد الغفلي لأنني كنت أرغب أن أستمع إلى الآخر وأتفاعل مع ما يقوله من نصه شفاهياً.
من أهم الأشياء التي ذكرها الغفلي أنه لا يريد شفقة من أحد كما لا يريد أن يظهر بمظهر الرجل السوبرمان الخارق، فهو إنسان اعتيادي، فقد نعمة البصر منذ عمر السادسة، ولكنه لم ينسحب من الحياة والابداع، وهو يردد على أسماعي: "منذ نشأتي الأولى تأقلمت وأنا طفل مع إعاقتي، بل أصبح عالم الظلام هو العالم الذي أبصر فيه جماليات الحياة". أراد أن يقول: إن حاسة رحلت وحلّت محلها حاسة أخرى.
وقد أراد مني أن أدوّن عنواناً جانبياً لعنوان سيرته "للحياة مذاق آخر" وهو "سيرة الانتصار على الذات". وقد نجح محمد الغفلي بالفعل في شّق طريقه في الحياة، فهو يعمل في هيئة تنمية المجتمع، مسؤولاً عن العلاقات العامة، كما تزوج وأهدى سيرته إلى زوجته، طالباً الدعوة للدخول إلى عالم المكفوفين بصرياً بدون نظرات سوداء.
محمد الغفلي، شاب طموح، وقد عقد صداقته مع جهاز هاتفه الذكي وكومبيوتره، وهما لا يختلفان في شيء عن أجهزتنا سوى أنهما من الأجهزة الناطقة، التي تتفاعل مع المكفوفين بصرياً.
مما لا شك فيه أن العلوم أفادت المكفوفين بصرياً إلى درجة فائقة، استطاعوا معها تجاوز إعاقتهم البصرية لأنها تتسع لجميع الآمال والأحلام. وفي مجال الاعاقة، يمكننا أن نتذكر بتهوفن الذي أبدع لنا موسيقى خالدة، وهو أصّم. وكذلك المعري أو طه حسين اللذين أتحفانا بالروائع.
كتاب سيرة حياة محمد الغفلي فتحت أمامه طريق الابداع لكي يستكمل مشواره الابداعي، وفي ذهنه الكثير من القصص التي تنتظر الكتابة. إن التكيف مع الظلام يجسد طاقة الإنسان في تجاوز آلامه، وإن ما يميز الإنسان ليس الجمال ولا المظهر ولا الجاه أو المال وإنما الحلم.. الحلم، ومحمد الغفلي هو أحد هؤلاء الحالمين.
لذلك أدعوكم، تمشياً مع دعوته في مقدمة كتابه، إلى خلع نظاراتكم السوداء والدخول إلى عالم محمد الغفلي لأنكم ستجدون الكثير من الألوان وتدرجاتها وليس الظلام الدامس.