إنه ليس بستاني بالحرفة بل صحافي يعمل منسقاً في صحيفتنا "البيان"، لكنه نال لقب البستاني لأنه صنع حديقة صغيرة في ذلك الفناء الخلفي لمبنى الصحيفة، تلك المساحة الصغيرة التي يجد فيها الزملاء المدخنون حريتهم، بعد أن خسروها في الأماكن المغلقة التي كانوا يشركوننا فيها دخان سجائرهم رغم إرادتنا.

نباتات صغيرة من الرياحين والنعناع والورود، جلبها الزميل حسن من بيته، وضع بعضها في أوان، وبعضها الآخر في خيوط معلقة، زينّت ذلك المكان الكئيب، ومن أجل ألا تتضرر بسموم دخان السجائر، علق لوحة، يترجى فيها عدم رمي أعقاب السجائر في نباتاته ووروده الجميلة لكي لا تتلف كأنها رسالة رمزية للكف عن التدخين.

يواجه الزميل حسن مشاكل في السقي والري، لأن ماء الصيف الساخن من شأنه أن يؤذي نباتاته ووروده كالدخان، لذلك تراه يبرّد الماء في علب ليصبح صالحاً.

الحدائق، في الواقع، تجسّد ثقافة الشعوب منذ الجنائن المعلقة حتى الوقت الحاضر، فالسياح الأجانب يصنعون مساحات خضراء أمام مخيماتهم، حتى لو كانت صناعية ليوم أو لأسبوع. والفرنسيون يغطون أرصفة شوارعهم المطلة على نهر السين بالرمال، لكي يتخيلوها شواطئ حقيقية يستمتعون بها.

حديقة حسن تسترعي الانتباه لكل من يدخل من البوابة الخلفية لصحيفتنا، وكل منا يشعر بأنها لم تعد حكراً عليه بل أصبحت حديقة الجميع، وإلا يجب استحداث وظيفة أخرى للزميل حسن بعنوان بستاني، حينها يستحق راتبين.

أرشح الزميل حسن لجائزة البيئة العالمية، لأنه أول من طبّق شعار من أجل صحيفة خضراء، بل وأكثر من ذلك، بادر إلى منح أرواحنا فسحة من الأمل، بإخراجنا من اللون الرمادي إلى اللون الأخضر.