على حافة الوقت تستدعي رذاذ الشتاء في أصائله الباردة المُبللة، موسمٌ حميم لنكهته أناقة باذخة مُطرزة بالحنين ودفء يومض بريقاً في أحداق وطن لطرف عيونهِ حورُ، وناعس من أهدابٍ صبت خبيء عسلها في القلب.
من نافذة ذكريات غسل زجاجها المطر قبل قليل، ترى وجهك صبوحاً وتلمسُ قلبك غض الهوى، أحاسيس مُفعمة كعطر صيفي ترشه أناملك خفيفاً ثلاث رشات وتراً، له نفسُ القرابة وفصيلة الدم من لوعة غرزها قرنُ غزال بين ضلوعكِ - ذات وداعة فاتكة - تاركة ندبة وصبوات عشق مُخاتل في الحشا لا ينام.
يمر عام بعد آخر، وفي اللفحة الباردة لنسيم مر أغنية زفتها رياح موسمية، وعقدتها ثلاثاً على غمامات زينت خدي السماء يهجر القلبُ وأحلامه سرب قطا، طفق بجناحيه إلى حيث الهوى يعيرك إياها، تطير معها خفقة ودفقة شوق إلى خصوبة البر والبادية في بلادك، ومطر بلل سمت خيام بيضاء جنوباً لشموخها تيجان، ورواب عرشت فيها العذوبة والندى.
يقظاً كـ «صيد الكَبلة» أو ما معناه فتى الجنوب - إن صحت ترجمة القلب - في موال محلي موغل في التراث الحساني وأدبياته تصدحُ دندنات وأهازيج كصدى الريح، تركض على صهوتها رديفك الوقت والليل والشعر وكؤوس الشاي الذهبية وفق طقوسها الموريتانية المتأنية الأصيلة، ترقب بهجة البدر ونعومة الرمل وأهازيج سمرٍ اختزنت فطرة البدو اللذيذة والنبض الحار في قلب الصحراء.
تستلُ من دفتر أكتوبر قلم المطر وتبعثُ قبلة إلى بلادك، ترقد أنت ولا ترقدُ ذاكرة الشتاء، تنام أنت ويبقى القلب ينبض جنوباً توقاً إلى تلك المرابع، تصمتُ القصائد وتبقى ندبةُ بين الضلوع تحن إلى قرن الغزال.