الوعي بالتاريخ وتمفصلاته والحقب الزمنية وتمظهراتها البارزة والاستثنائية، هي ما يميز أصحاب الرؤية والقادة الاستراتيجيين وبُناة المُستقبل، راهناً، يقف العالم في مُفترق تاريخي، كما أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في المنتدى الاستراتيجي العربي، داعياً إلى مواجهة قوى الهدم بقوى البناء، محذراً من سيطرة مدرسة صراع الحضارات، وتصاعد نزعات العداء على قاعدة الاختلافات الدينية والعرقية، في صراعات لا تخدم الإنسانية.
نظرية صراع الحضارات، كمفهوم ثقافي، كانت منعطفاً، مطلع التسعينيات، تشكل على أساسها النظام العالمي، وفق انحيازات ترى أن منشأ الصراع سيكون محركه الاختلافات الثقافية، ومع أن الأب البيولوجي للنظرية عالم المستقبليات، المهدي المنجرة، تبرأ من تداعياتها الأخلاقية والإنسانية، إلا أن أصحابها بالتبني، واللذين قدماها للعالم، صموئيل هنتنغتون وفرانسيس فوكوياما، أخذت معهما منحى متطرفاً.
المنجرة في كتابه «قيمة القيم» قال إن الغرض من النظرية هو موقف وقائي، بنائي لا أصولي، هدفهُ ترسيخ قيم العدالة الإنسانية، ونبذ الكراهية، واستمرارية القيم المثلى للتعايش.
بينما قامت فكرة الأكاديميين اللذين اشتهرت معهما النظرية، على أساس تقسيم حضاري ثقافي وتفريقي مُتصادم، وقالوا إن النزاعات ستكون على أساس هذه التباينات، ولم تحترم هذه الفرضية، أن الحضارة في مجملها قائمة على التكامل والبناء، وليست قائمة على التمايزات والصدام.
محمد بن راشد، وهو القارئ للتاريخ، انتقد هذه النظرية ومدرستها الفكرية، وأشار إلى أن المعركة الحالية هي ضد أعداء الحضارة الإنسانية، وأن التنمية الحقيقية مفتاحها معرفي، كما أنه لا توجد ثقافة بدون قيم، لذلك من الضروري استشراف المستقبل، فالتاريخ يمر بأكثر مراحله تعقيداً وأهمية، ونتائجها ستحدد مستقبله، الذي لن تشكله الحروب، بقدر ما سيشكله التسامح واحترام الفكر والاختلاف والتنوع ونصرة الحق والعدالة والسلام وهزيمة عوامل التراجع والتفكك والتدمير.