نقص الممرضات في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، ظاهرة مزمنة، صار لها سنوات، ولهذا النقص مسألة تعددت أسبابها، ومن بينها هجرة الممرضات الوافدات من القطاع العام إلى الخاص، نتيجة الفروق في الرواتب والمزايا، وأيضا هجرة الممرضات من مستشفيات الدولة إلى خارجها نتيجة عقود عمل أيضا مغرية.. أما فيما يخص توطين مهنة التمريض، فهي أيضا مسألة مزمنة، إذ كانت هناك جهود سابقة لخلق حالات إغراء وجذب للشباب المواطنين والمواطنات، ونجحت الجهود قليلا، في فترة من الزمن، ثم تلاشى ذلك الاهتمام وتلاشت أيضا محاولات سد النقص عبر التوطين.. بقت المسألة برمتها أزمة في الحالتين في الاستقدام وفي التوطين.

وبالرغم من أن السنوات الماضية شهدت افتتاح معاهد وتخصصات تمريض في الكليات والجامعات، وشهدت كذلك حملات توعية، لكن الحال وكما تكشف تقارير الصحة لم يتجاوز الأربعة بالمئة من المطلوب الوصول إليه.

لماذا يعزف شبابنا وشاباتنا عن العمل في مهنة التمريض؟ هذا السؤال طرح أيضا خلال مسيرة حل أزمة النقص، وبالتأكيد هناك إجابات حول هذا الاستفهام. ولأن الأزمة ما زالت قائمة، فهذا يعني أننا لم نجد إجابة واضحة لهذا الاستفهام. فحتى هذا اليوم، نعود لنتحدث عن ضرورة توعية الشباب المواطنين بأهمية هذه المهنة وبضرورتها. فهل هذا يعني أن حملات التوعية السابقة لم تكن كافية ومقنعة؟ أم أن هناك مسألة تتعلق بالحوافز التي بإمكانها أن تجذب المواطنين إلى المهنة؟ حتى وان كانت مهنة إنسانية؟ تبقى هناك أسئلة معلقة، طالما بقي هناك إحجام.

اليوم هناك شكوى واضحة من الأطباء المواطنين حول تدني رواتبهم، مثلما هو حال المدرسين المواطنين، والذين هجر الكثير منهم المهنة، بحثاً عن وظيفة لها دخل جيد. فإذا كان هذا هو حال الأطباء وهذا حال المدرسين، فلنا أن نسأل عن حال الممرضين والممرضات الأربعة بالمئة من المواطنين. وجوهر هذه الاستفهامات تعني. لابد من مغريات ومزايا عالية في الرواتب. هكذا بصريح العبارة. فالمدرس، والطبيب والممرض، يقومون بأدوار ومهمات لها أبعادها التي يجب أن تقدر وتؤخذ في الحسبان، ومسألة أن ندفع رواتب ممتازة لهذه الفئات المهنية، وللمواطنين بالذات، فهذا يعني أننا ندفع لاحتسابات مختلفة، ليس فقط توفير كادر طبي مواطن، أو كادر تمريض مواطن، ولكن معناه في الحقيقة، أننا ندفع في مقابل تنمية مواردنا البشرية، وفي مقابل التوطين، وفي مقابل البدء في تحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاعات العمل، وفي مقابل النهوض بالإنسان الإماراتي، وفي مقابل امتلاك الخبرة، وفي مقابل الهوية، وفي مقابل مكافحة مشاكل التركيبة السكانية. فهذا كله يستحق أن يدفع فيه المال دون تردد.

هذه الأيام ومع الجهود والإصلاحات التي نسمع عنها، من خلال ما يقوم به معالي عبد الرحمن العويس وزير الصحة بالإنابة لإعادة ترتيب وتأهيل البيت الصحي، نأمل أن تأخذ هذه الاعتبارات مكانها. ونأمل أن تتمكن تطلعات وتوجهات الوزير من حل أزمة مزمنة حان لها الأوان لتجد الطريق إلى حلولها.