نظرت «إيران الثورة» بعيداً، وأطالت النظر، خارج حدودها ولم تلتفت إلى ما دونها. حلُم وليّها بإمامة يتخفى خلفها استحضار شبح إمبراطورية بادت وما عادت. وعاشت زهو التمدد على حساب وضع عربي هش، تفتك به النزاعات الداخلية والبينية، وتتنازعه التجاذبات الخارجية، وتسوده أجواء الشك والريبة والحذر وسوء النوايا.

فعملت، مع لاعبين آخرين، على إشعال الفتن والحروب في دول عربية ثم قدمت نفسها كلاعب أساسي جاعلة مجال أمنها القومي غرباً ما بين الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، واعتبرت كل هذه المساحة ساحة مشروعة لها لتقدم عليها مشاريعها وتفرض أيديولوجيتها السياسية والمذهبية.

تصرفت إيران بيقين السلطة المطلقة المستمدة من السماء والتي لا تحتمل المس، لا قولاً ولا فعلاً، واطمأنت إلى سلامة قواعد بيتها ولم تفكر حتى بالترميم، وتركت قدرها يغلي ولم تبال وراحت ترمي الحطب تحت قدور بعيدة، واهمة بأن ألسنة النيران لن تصلها، حتى سمعنا صراخها يملأ الدنيا ألماً، وأدخنة الحريق تنال من العمائم المترفعة على المستضعفين والمحرومين الذين طالما كانوا عنوان شعاراتها ووقود حرائقها.

إيران دولة كبيرة بمساحتها، وغنية بمواردها وثرواتها، وثرية بتنوع شعوبها وتعدد ثقافاتها، وعميقة بتاريخها. وهي لا شك مهمة بدورها ومكانتها في المنطقة والإقليم.

ولكن كل هذه الميزات تراجعت عندما تراجعت فكرة الدولة أمام فكرة الثورة، وتحول التنوع إلى تنافر، واضمحل التعدد بيد الاستبداد، وتبخرت الموارد والثروات في نيران الحروب والإنفاق على الفتن ومساعي التمدد الخارجي.

وأصبح الانقسام الاجتماعي والديني أقوى مظاهر الداخل الإيراني. وعندما يسود الانقسام ويستشري الفقر في عزيز قوم وتضيق الصدور بما لا تستطيع البوح به يكون التذمر ثم الاحتقان ثم الانفجار.

وربما لا تكون الاحتجاجات الحالية هي ذلك الانفجار العظيم الذي سيقود إلى التغيير، ولكنه بلا شك أصبح يمثل تجاسراً غير مسبوق على «الجمهورية» ووليها الفقيه وسلطاته المطلقة وأذرعه الأمنية والعسكرية الغاشمة.

وهذا يجعل أحداث آخر عام 2017 فصلاً مهماً في تاريخ إيران ودولتها الثورية، وقد يشكل مفترقاً يضع القيادة الإيرانية في أعلى مستوياتها أمام الاختيار بين إيران مستقرة ومتماسكة ونامية من الداخل، أو إيران متضعضعة وهشة تعيش وهم القوة في الخارج.