ربما تبدو بعض المشاهد الكوميدية التمثيلية وكأنها تبالغ ـ لزوم الدراما - في عرض صور من تصرفات مديرين ومسؤولين تنفيذيين يتفننون في التسلط على مرؤوسيهم بالتعامل بفوقية سمجة، وإصدار قرارات استفزازية، وتحميلهم أكبر من طاقاتهم، وسلب الإحساس بالأمان الوظيفي منهم بعبارات التهديد والوعيد.
ولكن في الحقيقة إن هذه الدراما موجودة في العديد من قطاعات العمل، وإن هذا الفكر الإداري لا يزال له أتباعه ومعتنقوه، وهؤلاء لهم حجج ومسوغات يدفعون بها لتبرير سلوكهم العدواني تجاه من هم دونهم في السلم الوظيفي، ولكنهم لا يقبلون مثل هذه المسوغات إذا انقلبت عليهم، ولا يتقبلون المعاملة بالمثل إذا جاءته ممن هم أعلى منهم.
هؤلاء يتصرفون بدافع من واحد من أمرين؛ فإما نتيجة لتصفية حسابات قديمة أو جديدة مع أشخاص آخرين لم تربطهم بهم علاقات عمل طبيعية، فحلت الشخصنة وانعدمت الاحترافية، وسادت أجواء متوترة انعكست على المؤسسة وكل العاملين فيها حتى غدت بيئة طاردة. وأما الأمر الثاني فيتعلق بفكر إداري يظن أصحابه أن فرض الهيبة أولوية، وإشعار الموظف بعدم الأمان يدفعه للمزيد من العمل والإنتاج، وبث الأريحية في المكان يؤدي إلى التسيب، وأن إظهار الفوارق بين درجات السلم الوظيفي يضع الأمور في نصابها ليعرف كل طرف حدوده.
ولطالما تسبب هذا النمط من المديرين والمسؤولين في هروب الكثير من أصحاب الكفاءات العالية، ونفور أصحاب الذمم النقية، وانكفاء آخرين وتحولهم إلى موظفين سلبيين لا يفعلون غير البصم عند دخول المؤسسة وعند الخروج منها. وأدى إلى حدوث أعراض وأمراض وظيفية انعكست اجتماعياً على البيت والشارع، وأهدرت بسببها طاقات وميزانيات تعود أحياناً بالمؤسسة إلى المربعات الأولى في عطائها وسمعتها.
هذه الفئة المنفرة بحاجة إلى إعادة «هندرة» على رأي أهل الإدارة، لأن ضررها لا ينعكس عليها وحدها أو على الدائرة الضيقة من حولها، فشظاياها باتت تمتد بعيداً في بيئة العمل العامة، فتنجب نماذج لرؤساء معطِّلين ومرؤوسين معطَّلين. فنحن في دولة يسودها فكر إداري وقيادي متواضع ومتواصل، ومندفع بفهم عميق وحكمة بالغة تدحض فكر التعطيل والتهميش وتنشر التفاؤل والروح الإيجابية في كل الأرجاء.