قلنا إن هناك مديرين ومسؤولين «فاهمين غلط». يظنون أن المسؤولية فوقية واستعلاء وتسلط وتضييق على الموظفين، وأن الأمور لا تستقيم إلّا بهذه الأربعة. وتكون النتيجة، كما أسلفنا في مقال سابق، خسائر متوالية وفشلاً متصلاً.
ونقول، في المقابل، هناك موظفون «فاهمين غلط». يعتقدون أن الوظيفة دوام رسمي، وبصمة في أوله وبصمة في آخره. يفهمون الوظيفة على أنها حقوق أصيلة، ومزايا متعددة. يحفظون كل تفاصيل حقوقهم المثبتة في لوائح الموارد البشرية، ويصطادون كل فرصة لتحسين أوضاعهم وزيادة دخلهم.
ويتصيدون الرخص، ويلاحقون الثغرات في الأنظمة واللوائح. مبدعون في اختراع الأعذار لتكاسلهم، ومتميزون في ابتكار طرق تسربهم. هم الحاضر الغائب. كثير من هؤلاء عبء على أماكن عملهم، وسبب في نشر ثقافة التذمر في محيطهم، ونقل عدوى السلبية وقلة العطاء إلى غيرهم، وبث روح الإحباط في نفوس زملاء لهم أكثر التزاماً منهم، وقدوة سيئة للداخلين حديثاً إلى قطاع العمل.
هؤلاء يستنفدون كل يوم وساعة، وربما دقيقة، من رصيد الإجازات «العرضية». مرضية وإدارية وطارئة، وساعات استئذان، وربما تتفتح القرائح عن شقوق في باب اللوائح تأتي من بينها فرصة أخرى.
والناتج الإجمالي للإنتاج وساعات العمل الحقيقية كناتج ساعات اللعب الحقيقية في ملاعب كرة القدم في دورينا.. أو أقل قليلاً. والغريب أن كثيراً من هؤلاء المتسيبين يمضون على سلم الترقيات والتدرج في المناصب، ثم يتحولون بعد أن تتغير المقاعد إلى نماذج من الحزم والحسم ضد غيرهم.
جميل أن يتمسك المستخدم بكل حقوقه، ويمتلك الثقافة الإدارية والقانونية للتمتع بهذه الحقوق، ولكن الأجمل أن تتكامل عناصر هذه الثقافة، ونعترف بواجباتنا بقدر تمسكنا بحقوقنا. للموظف حق وللمؤسسة حق، وفوقهما للمجتمع والمصلحة العامة حق.
ولا يجوز أن يجور حق على حساب الآخر. إذا جارت المؤسسة وتسلط المسؤول اختل ميزان العلاقة، وإذا تخاذل الموظف وتهرب من تحمل مسؤولياته واختلق لنفسه الأعذار اختلت العلاقة، فضعف الطالب والمطلوب، وانتهت الأمور إلى تسيب، يليه ضعف، تليه نتائج وخيمة تعكر على الجهود المخلصة، وتساهم في التعطيل بدلاً من التطوير.
لهؤلاء علاج في تطبيق اللوائح وسياسة العقاب والثواب، ولكن العلاج لن يحقق كل مقاصده إذا لم يختلط بترياق الضمير، ويعترف كل واحد فينا بما عليه بقدر ما يعرف ما هو له.