اتسعت مدننا، وتباعدت مناطقها وأحياؤها، وطالت دروبها، وترامت أطرافها، وزاد عدد سكانها. وبلغت المسافة بين المركز والأطراف في بعضها تزيد على 40 كيلومتراً.

ومع هذا التوسع والتمدد السريع تبدو حركة وصول الخدمات إلى المناطق الجديدة غير قادرة على المجاراة. ولذلك لا تزال الجهات المختصة تحاول اللحاق بذلك التطور من خلال التركيز على توفير الخدمات الضرورية التي تساعد السكان على التكيف في مناطقهم. وقبل أن تنته هذه الجهات من سد الحاجات الضرورية في منطقة، من دكاكين وعيادات ومدارس، حتى تكتمل منطقة جديدة أخرى، فتتوقف الخطط والبرامج التنموية الأخرى فيمن سبق لملاحقة حاجات الجديد الضرورية.



في المدن الحديثة اليوم لا تقف الضرورات عند الشارع والمدرسة والعيادة والدكان، وإن كانت هذه هي الأركان. فالمكتبات والمراكز الثقافية أصبحت ضرورة، والملاعب والمراكز الرياضية صارت ضرورة، والحدائق وأماكن الترفيه صارت ضرورة، والأرصفة المؤهلة لتشجيع الناس على استخدام أقدامهم لقضاء حاجاتهم هي الأخرى ضرورة.



المدرسة تسلمنا مفاتيح المعرفة، والمكتبات والمراكز الثقافية والأنشطة المرتبطة بها تدخلنا عالمها وتمكننا من سبر أغوارها واكتشاف ملكاتنا ومواهبنا. والعيادة ترمم ما تهدم من صحتنا، ولكن الملاعب والمراكز الرياضية توفر علينا التزاحم داخل العيادات والمستشفيات، وتوفر على الدولة الكثير من النفقات والجهود التي يهدرها كسلنا وإهمالنا لصحتنا.

ورصف الشوارع يسهل حركة وصولنا، ولكن تشييد الأرصفة للمشي لا للمشاهدة ولزوم الديكور وبمواصفات ومقاييس كافية يشجعنا على ممارسة رياضة المشي داخل أحيائنا، دون الحاجة إلى تشغيل سياراتنا وتلويث أجوائنا والتأثير على حركة المرور في شوارعنا للنزول بها إلى المرافق البعيدة المتكدسة في مراكز المدن.



لا يغيب عن البلديات وإدارات تخطيط المدن العلم بهذه الضرورات المستحدثة، بل لا تخلوا أدراج الإدارات المختصة من العديد من الخطط والأفكار التي تتجاوز حدود معلوماتنا فيما يتعلق بحاجات المناطق الجديدة من المراكز الرياضية والثقافية والترفيهية، ولكن الغائب هو تحويل العديد من تلك الأفكار والخطط إلى مشاريع فعلية تحقق الاكتفاء للسكان قريباً من مناطق سكنهم وتخفف الضغط على مراكز المدن.

فلا يزال الكثير من صغارنا يلعبون الكرة على الأسفلت، ولا يزال الكثير من الكبار يمارسون رياضة المشي على الأسفلت جنباً إلى جنب مع السيارات وحافلات المدارس المندفعة صباحاً بسبب افتقادهم الأماكن والملاعب المخصصة. ولا يزال الكثير من أصحاب الهوايات والمواهب الثقافية والفنية يكتمون قدراتهم وتضمر في داخلهم ملكاتهم لعدم وجود مراكز تصقل مواهبهم.