يمارس الضباب جولاته في أجوائنا بشكل دوري خلال فصل الشتاء. ولكنه يأبى إلا أن يحدث في بعض من هذه الجولات صدمات تلهب النقاش العام حول كيفية الاستعداد لاستقبال الجنرال العابر، عندما يرخي بسدوله، ويحجب الرؤية على الطريق، ويتسبب في فوضى تؤدي إلى خسائر وإصابات، وربما ضحايا.
نزول الضباب ظاهرة طبيعية تعوّدنا عليها، ولكننا يبدو أننا لم نتعود بعد على مفاجآتها. نعيد الكلام والتحذير من احتمالات تبعاتها، ثم نضع كل ذلك خلف ظهورنا، ونطلق العنان لمركباتنا ونفوسنا الضجرة لتطوي الطريق بسرعاتها المعتادة، وكأننا نلعب لعبة «البلاي ستيشن»، ونحن متكئين على أريكة في صالة المعيشة في بيوتنا.
النقاش العام الذي يتكرر مع كل كارثة مرورية تحدث بسبب الضباب، يصب في اتجاهين. الأول من الجمهور باتجاه الإجراءات التي تتخذها سلطات المرور في الدولة لتنظيم الحركة والسيطرة عليها خلال أوقات نزول الضباب.
والثاني، من سلطات المرور التي ترى أن سلوك السائقين على الطريق، هي الضامن لعدم وقوع الحوادث. وبعيداً عن هذا وذاك، توجد فجوة بين القانون والسائق، تجعل الحوادث تتكرر في أوقات الضباب، وفي غير هذه الأوقات، وهذه الفجوة تتمثل في ما نسميه دائماً بالثقافة المرورية، وهي جزء من ثقافة عامة، تسمى ثقافة القانون.
ولهذه الأخيرة إدارات متخصصة في أجهزة الشرطة بالدولة، ولها جهود واضحة ومقدرة. ولكن السؤال، لماذا لم تستطع كل هذه الإدارات بجهودها المشهودة، في ترويضنا عندما نمتطي صهوة سياراتنا؟، لماذا تزداد مخالفات السرعة الزائدة.
بالرغم من كل الرادارات التي صارت كالفطر البري في شوارعنا وطرقنا الداخلية والخارجية؟، لماذا يصر أكثرنا على ممارسة لعبة المطاردة للسائر أمامه على الطريق، حتى تكاد «الدعامية» تلتصق «بالدعامية»، وكأننا في سباق الفارمولا؟.
هذه الأسئلة وغيرها لا تزال تتكرر، كلما وقع حادث على الطريق، أو صدرت إحصائية رسمية تعد الحوادث وتفصّل أسبابها. وبالرغم من توفر الإجابات، إلا إن الحوادث تبقى جزءاً من مشهد الطريق، ويبقى السؤال القديم يتجدد: لماذا لم يبت بعد في موضوع إدخال التربية المرورية وآداب الطريق في مناهجنا التعليمية بشكل علمي ومنتظم؟.