الصورة التي بثتها وكالة الأنباء الفرنسية، ونشرتها العديد من الصحف في العالم أمس، لأب سوري يخرّ محتضناً جثة طفله، قتيل غارات طيران الحكم في دمشق، ربما هزت الحجر وأبكت الشجر، ولكنها لم تصل إلى ضمائر البشر.

مثل هذه الصور أصبحت بالنسبة للضمير الإنساني مجرد لقطات سينمائية تصلح للتوظيف السياسي والابتزاز اللاأخلاقي.

ربما تشغل هذه الصورة، وصور أخرى قد تكون أشد صدمة وتأثيراً، مساحات على صفحات الصحف ونشرات الفضائيات، وربما تكون عنواناً لحملة على مواقع التواصل الإلكترونية، والأكيد أن السياسيين الممسكين بالقرار الدولي وأدواته واللاعبين الأساسيين على رقعة الأمم سيتقاسمون نتائج توظيف هذه الصورة وغيرها كل حسب أجندته، ولكن الأكيد أن المأساة ستمر على الضمير الإنساني كمرور لقطة من أفلام العنف الهوليوودي سرعان ما تنسى بعد أن تتحول الكاميرا إلى مشهد آخر.

ماذا بقي من صورة طفل حلب عمران الذي صار وقتها أيقونة الحرب في سوريا عندما رآه العالم وقد غطى وجهه المذهول الدم والتراب؟ وماذا عن الطفل الغريق آلان كردي، ذي الأعوام الثلاثة، الذي رمت به الأمواج على شاطئ بالبحر المتوسط لينام على بطنه نومته الأخيرة مرتاحاً من عالم كسر كل نواميس الفطرة؟ وما حال الرضيع كريم الذي كان في شهره الثالث عندما انهالت على بيت أسرته في الغوطة الشرقية قنابل وصواريخ النظام فتأخذ منه أمه وإحدى عينيه وتكسر جمجمته الصغيرة؟ يومها تفاعل أكثر من خمسة ملايين مستخدم للإنترنت مع حملة (التضامن- مع -كريم)، ولكن هؤلاء الملايين لم يساووا شيئاً أمام إرادة تحطيم سوريا وكسر جمجمة الأمة المتربعة على قمة أجندة فوضى كونداليزا رايس غير الخلاقة.

وأذكر أن في القائمة كان طفل فلسطيني اسمه محمد الدرة اغتالته رصاصات الجنود الإسرائيليين على الهواء مباشرة أمام أعين كل أصحاب الضمائر اليابسة في منظمات الأمم وملحقاتها المتحدثة باسم حقوق الإنسان. والعذر لمن أنسته مشاهد ما بعد الربيع الأسود الذي تفنن أهل الديار في سحب الأضواء عن كل الأفعال والجرائم الصهيونية في فلسطين ليكونوا نجوم الشباك المتصدرين في تراجيديا الدم التي تتواصل حلقاتها وتتنقل من بقعة إلى أخرى على الأرض العربية.