«الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها». هذا التوجيه النبوي الشريف فتح الباب واسعاً للاطلاع والبحث، للإمساك بزمام الحكمة، وفتح أبواب المعرفة والتعلم من خبرات وتجارب الآخرين المفيدة، بأي لغة، وأي ثقافة كانت. فالمفترض أن يكون «المؤمن» يملك من الثقة ويتكئ على أرضية ثقافية مكينة تحميه من الذوبان وتمكنه من استيعاب الجديد وتوظيفه لإغناء ثقافته وترسيخ هويته. لذلك نرى حركة الترجمة تنشط لدى كل الأمم الحية لنقل المعرفة من جميع اللغات إلى اللغة الأم، دون إغفال تشجيع تعلم اللغات الأجنبية لتوسيع آفاق المعرفة وفتح المزيد من أبوابها أمام الناس. ولكن تبقى اللغة الأم هي المستحوذ الأكبر على حركة النشر والقراءة.
في الإمارات الآن حركة دؤوبة لتشجيع القراءة لدى مواطني الدولة، وجهود ملموسة لجعل القراءة أسلوب حياة. هذه الجهود يُسمع ضجيج حركتها في المدارس والمؤسسات والمنتديات ووسائل الإعلام. وهي حالة طبيعية تتسق مع حركة التطور المتنامية في كل جوانب وزوايا الدولة وقطاعاتها المختلفة. ولكن في خضم هذه الحركة فإن السؤال يطارد الكتاب العربي، ويتقصى حاله عند فئات الشباب وما دونهم من الفئات العمرية. فالحقيقة التي لا يمكن الصد عنها أن اللغة العربية لدى أكثر شبابنا وأطفالنا تراجع ترتيبها وتقلص حضورها فلم تعد أولى، ولا حتى شريكة في «الثنائية». وباتت شبه معزولة في اهتمامات أطفالنا الذين طغت عليها جودة وتنوع ووفرة الكتب الصادرة باللغة الإنجليزية.
ربط القراءة بأسلوب الحياة يعني علاقتها بتشكل الشخصية وتحديد الهوية. وشخصية لا تملك أدوات ومفاتيح لغتها الأم لن تستطيع أن تتناغم مع هويتها وتتصالح مع ذاتها. وإذا كانت القراءة هي مفتاح باب المعرفة فإن اللغة هي وعاء الفكر وآلة حركته. فباللغة التي نتعلم ونقرأ سنفكر ونشكل ثقافتا وملامح شخصياتنا.
وبسبب ضعف مستوى الكتاب العربي كان العزوف عنه إلى الكتب الإنجليزية الزاهية الألوان، الغزيرة بالأفكار والتجارب، الواسعة الخيال، الغنية بالإبداع والابتكار. ولذلك فبقدر حاجتنا إلى التشجيع على القراءة نكون بحاجة إلى المزيد من دعم وحماية اللغة العربية في كل مؤسساتنا وعلى رأسها التعليمية، وتطوير الكتاب العربي ودعم قدراته التنافسية، وتوسيع حركة الترجمة لتشمل كل التخصصات والمجالات دون التوقف عند الروايات والنصوص الأدبية فقط.