إيران تريد بناء علاقات مع جيرانها العرب، ولكن بشروطها ووفق أجندتها. والأجندة الإيرانية منذ الثورة الخمينية يتداخل فيها السياسي والطائفي والاقتصادي، ولا يغيب عنها عنصر التاريخ ودوافع الانتقام ووهم استرجاع إمبراطورية طوتها حركة الحياة ودفنت تحت رمال الزمن إلى غير رجعة.

راهنت طهران على هشاشة بعض مفاصل الجسد العربي ونجحت في تحقيق اختراقات واضحة في بعض الأقطار العربية، واستغلت خطابها الديني القائم على إعادة تدوير أحداث تاريخية وأدخلت عليها إضافات لتهييج المشاعر وتوظيف العواطف، فأحدثت وضعاً طائفياً صدامياً بعد أن وسعت دائرة أتباعها في عدد من الدول العربية.

وحاولت التسلل إلى المجتمعات العربية ذات الطيف المذهبي المنسجم عبر مخبريها وعملائها تحت غطاء «الدبلوماسية الناعمة»، بهدف إحداث شروخ في نسيج تلك المجتمعات عبر بؤر وخلايا زرعتها، غير أن مساعي حكومات تلك الدول لمحاصرة التمدد الإيراني في أراضيها أحبطت تلك المحاولات.

كان الظن بأن طموح حكم الملالي في إيران يتجه في شكل هلال إلى بلاد الشام ليكون منطقة نفوذ إيرانية مطلة على البحر المتوسط، ولكن الهلال تطور إلى دائرة تعمل طهران على تلاقي نقاطها لتحيط المشرق العربي كاملاً من الخليج إلى البحر المتوسط عرضاً ومن الشام إلى اليمن طولاً.

نصّبت طهران نفسها وكيلاً عن الطائفة الشيعية في العالم، وجعلت من ذلك تصريحاً لها للتدخل في شؤون الدول، وهي اليوم ترفض على لسان مرشدها وحاكمها المطلق خامنئي المطالب الأوروبية والدولية بوقف تدخلها في دول المنطقة مقابل الإبقاء على الاتفاق النووي الذي أبرمته مع دول الغرب. وهي اليوم تدعي بحقها في الحضور العسكري الصريح في سوريا، وتصر على مد الحوثيين بالسلاح في اليمن. ثم تتمادى أكثر بإقحام نفسها في الأزمة القطرية عبر إرسال وفد عسكري عالي المستوى إلى الدوحة ليوجه منها رسائل سلبية إلى دول الخليج العربي.

في إطار هذه السياسات والتصرفات العدوانية، تريد إيران فرض نمط من العلاقات مع الدول العربية، والخليجية خاصة، تكون فيها قوة إقليمية مهيمنة تتصرف في شؤونها وتقرر بوصلة قراراتها.

ونجحت طهران إلى حد كبير في توظيف المعادلة الدولية لتنفيذ مخططاتها في ظل وضع عربي منقسم وحالة لامسؤولة وغير واعية من بعض الدول العربية، إلى أن أعاد التجمع الرباعي بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وإطلاق عاصفة الحزم في اليمن، بعض الأمور إلى نصابها ووضع إيران أمام رغبة عربية حازمة لإصلاح الخلل والاختيار بين علاقات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل أو البقاء في خانة العدو.