أخيرا وبعد نحو 20 عاما، حلت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، ضيفة على صنعاء في زيارة «مفاجئة» لتكون بذلك أول وزيرة خارجية أميركية تزور اليمن، رغم العلاقات القديمة بين البلدين .
زيارة كلينتون إلى صنعاء تحمل العديد من الدلالات، تماما كما تثير كثيرا من الشكوك حول ما تخبئه الإدارة الأميركية لليمن، وهي التي أعلنت صراحة وعلى لسان رئيسها باراك اوباما بأنه لابد من تدخل ما في اليمن، فهل آن الأوان لتغير ما في طبيعة العلاقة التي ربطت البلدين، وفي طبيعة الوجود الأميركي في اليمن.
وبعيدا عن حديث الدلالات والشكوك، وما يقوله مناصري نظرية المؤامرة أو ما يقوله مخالفوهم، فان الأهم من جهة نظري هو ما قالته كلينتون وما لم تقله في صنعاء.
قالت كلينتون في لقائها مع ممثلي المجتمع المدني اليمني، إن المسلحين الذين يعملون من اليمن يمثلون مصدر قلق عاجلاً بالنسبة للولايات المتحدة وان وقف تهديدهم يشكل أولوية. واعترفت كلينتون صراحة بأن كثيرا من «الإرهابيين» الذين يعملون من الأراضي اليمنية ليسوا يمنيين، وأن بعضهم مواطنون أميركيون، لكنها لم تقل أن اليمن ضحية من ضحايا الإرهاب، ولم تقل أن بقية الإرهابيين الغير أميركيين،هم في الأساس صناعة غربية، فهم ممن ترعرع وتخرج من المدارس والجامعات الأميركية والبريطانية.
كلينتون لم يكن يعنيها ما يسببه هؤلاء الإرهابيون المفترضون من إزعاج وتهديد لليمن، إنما ما يعنيها أنهم يهددون أميركا، وبالتالي فالإدارة الأميركية تٌحمل اليمن مسؤولية هؤلاء، والأصل أنها يجب أن تتحمل مسئولياتها تجاه اليمن باعتبار أن فيهم مواطنين أميركيين والآخرين من الدارسين في مدارسها وجامعاتها، ومدارس وجامعات حليفتها بريطانيا.
كلينتون قالت إن زيارتها لليمن تهدف إلى التأكيد على الدعم الأميركي للبلاد، وإقناع اليمنيين أن الولايات المتحدة ترغب في أكثر من مجرد علاقة عسكرية مع اليمن، لكنها لم تقل لنا ماذا تريد غير العلاقة العسكرية، أو أنها تركتها لـ «ويكليكس جديد» ليقول لنا ما لم تقله علانية وقالته في الدوائر المغلقة .
كلينتون قالت أيضا إن بلادها ترغب في مجابهة الظروف الكامنة وراء عنف المتطرفين، مثل الفقر المدقع وانعدام العدالة الاجتماعية والانقسامات السياسية، لكنها لم تقل لنا كيف يمكن أن تحقق هذا وهي تصر على تحميل اليمن كل تبعات خيباتها، كما تصر على إفشال الدولة اليمنية.
كلينتون قالت كذلك إن بلادها تقوم بموازنة حزمة المساعدات، لتشمل أولويات أخرى غير مكافحة الإرهاب، لكنها لم تقل ما طبيعة وحجم هذا الدعم ولا ما هي تلك الأولويات الأخرى، لكنها أصرت على القول إن واشنطن تريد من صنعاء أن تكثف الحرب ضد تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، المتمركز في اليمن.
لكن السيدة هيلاري لم تقل لنا لماذا تحمل صنعاء مسئولية الفتى النيجيري عبد المطلب، فقط لكونه أقام في اليمن بضعة أشهر ولم تتحمل واشنطن مسئولياتها تجاه فحصه ومنحه الفيزا لدخول الأراضي الأميركية، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على حكاية الطرود المشبوهة، فقد حملت الإدارة الأميركية مسئولية صعود تلك الطرود من صنعاء، لكنها لم تفكر في تحمل جزء من المسؤولية، خصوصا وان شركاتها هي التي من قام باستلام هذه الطرود وفحصها ومن ثم شحنها.
قالت كلينتون إن بلادها ترغب في دعم أولئك الذين في اليمن ممن يحاولون الانتقال إلى نظام قوي سلمي ديمقراطي وأصوات يمكن سماعها، لكنها لم تقل لنا كيف ستدعم هذه الأصوات وهي تغض الطرف عنوة عن كل ما تتعرض له هذه الأصوات من ضغوط وممارسات غير مسؤولة.