يخطئ كل من يعتقد أو يتصور بأنه ـ أو غيره مهما بلغ شأنه في علم الاقتصاد ـ على دراية بالخاتمة «المنطقية» للأزمة الاقتصادية الأميركية حتى بعد «لحظات العسل» وليس «شهر العسل»، التي جمعت الحزبين الجمهوري والديمقراطي لنزع فتيل «قنبلة الديون السيادية» ولو مؤقتاً.
ولا نبالغ لو جزمنا بأن أميركا نفسها ورئيسها، الراغب في تجديد ولايته، لا يدريان حقاً كيف سينتهي كابوس «الاقتصاد المتطفل» لأقوى دولة في العالم كما وصفه بوتين، بدليل نوع الصفقة التي أبرمها الغرماء وكانت متوقعة ــ رفع سقف الديون السيادية ــ لأنها كانت السيناريو الوحيد المتاح لإطالة عمر الاقتصاد الأميركي، والذي تكرر 74 مرة منذ عام 1962 و10 مرات منذ عام 2001 حتى الآن.
قبل 3 أعوام توقع مدير المدرسة الدبلوماسية الروسي إيغور فنرين انهيار أميركا في العام الجاري 2011، مبشراً بقيادة روسيا والصين للعالم، وإصدار عملة تحل مكان الدولار الأميركي كعملة عالمية رئيسية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، مثلما لم تتحقق التوقعات القائلة بأن الولايات المتحدة التي باتت أسيرة استحواذ أغنيائها على الثروة وترحيل الطبقة المتوسطة إلى شقيقتها الفقيرة، ستواجه سيناريوهات لم تتناولها هوليوود حتى اليوم، ليس أسوأها احتمال نشوب «انتفاضة شعبية» تحرق الأخضر واليابس، وربما تشكل خاتمة النظام الرأسمالي «المتوحش» وتطلق رصاصة في رأس استراتيجية التوسع الخارجي لإقامة النظام الإمبراطوري.
وما دام لا أحد في البيت الأبيض ولا في البنتاغون ولا في هوليوود، يدري كيف ستكون النهاية بشقيها الاقتصادي والسياسي، وما دامت التوقعات «الحاقدة» على أميركا لم تتحقق، فلم عناء الكتابة وتحميل القراء مشقة قراءة «500 كلمة» في يوم صوم آخر يثقل كاهل صائميه قيظ يتفق العلماء على أنه وليد مشوه للثورة الصناعية الأميركية ويدعى «التغير المناخي»؟.
لعل ما يستحق العناء يكمن في نبش ما يسعى ساسة أميركا لدفنه، وهو جوهر المشكلة، ويتلخص بأن النظام الاقتصادي الأميركي يبتلع من الديون ما لا يستطيع سداده، وتأخذه العزة بالإثم لدرجة المضي للعيش بمستوى يفوق إمكانياته الحقيقية، وأن الفضل الأكبر لازدهار هذه الدولة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، يعود لنجاحها في خداع الجميع، بمن فيه شعبها، بمواصلة تصدير مشاكلها الاقتصادية لبقية دول العالم، واستغلالها للثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط لتسيير عجلة اقتصادها، اعتماداً على أسلوب موروث من الحقبة الاستعمارية.
لو كان إريك فروم، تلميذ المنشق عن مدرسة معلمه فرويد على قيد الحياة، لغير عنوان كتابه «الإنسان بين الجوهر والمظهر» ومنحه للشيطان الأكبر، كما يحلو لإيران مناداة أميركا، ففي هذا الكتاب بالغ الأهمية يؤكد فروم قبل أن تتورط أميركا وتورط العالم معها بالديون السيادية، بأن العالم في أزمته الحاضرة يتجاذبه أسلوبان في الوجود يتصارعان من أجل الفوز بالنفس البشرية.
فالأسلوب الأول وهو المهيمن في المجتمع الصناعي الحديث، رأسمالياً كان أم شيوعياً. هو أسلوب التملك الذي ينصب على التملك المادي والقوة، وهو مبني على الجشع والحسد والعدوان. أما الأسلوب الثاني، وهو الأسلوب البديل، فإنه يتجه نحو الكينونة، ويتجلى في الشعور بمتعة التجربة المشتركة، والقيام بالأعمال المنتجة حقاً.
ويتأصل هذا الأسلوب في الحب وفي سمو القيم الإنسانية على القيم المادية. وعلى هذا يرى المؤلف في هذا الكتاب المثير أن النمط التملكي سوف يدفع العالم إلى حافة الهاوية من الناحية البيئية والنفسية، منبهاً إلى أن نمط الكينونة هو البديل، وهو السبيل الوحيد لتجنيب الإنسانية الوقوع في الكارثة. نتملك أو نكون؟ هذا هو السؤال الذي يجيب عنه المؤلف في تحليل شامل لأزمة الحضارة الحديثة. وهو بذلك يقدم برنامجاً مفصلاً ومزيداً من أجل ثورة نفسية واجتماعية لإنقاذ كوكبنا المهدد بالدمار.