قد لا يكونُ المقامُ مناسباً لمؤاخذةِ حماس على أَفعالٍ نشازٍ غيرِ قليلةٍ ترتكبُها في قطاع غزة، حيث يتعرَّض الفلسطينيون الواقعون تحت حكمِ الحركةِ المذكورةِ وسطوتِها، في هذه الأيام، إِلى اعتداءاتٍ إِسرائيليةٍ، تُضاعِفُ من وطأَةِ الحصار القاسي المستمرِّ منذ اختطفتهم حماس، وجعلتهم تحت سلطتِها قبل خمس سنوات.

قد لا يكون المقامُ مناسباً لدب الصوت على الحركةِ على هذه الفعلة أَو تلك، فيما يستهدفُ الاحتلال مجاهديها بالاغتيال، غير أَنَّ منع وزارةِ التربيةِ والتعليمِ في حكومةِ الحركةِ في القطاع ثمانيةَ طلابٍ من السفر إِلى أَميركا للدراسةِ فيها، جريرةٌ مستنكرَة، يحسنُ إِشهار إِدانتِها، سيما وأَنها تستثيرُ غضباً واستهجاناً غزيريْن، يُضاعفُ منهما أَنَّ حماس سوَّغَت قرارَها البائس هذا بدواعٍ ثقافيةٍ واجتماعية.

 وأَولُ ما يمكن بسطُه من أَسبابِ الغضبِ على هذا المسلك، أَنه يُعاكِسُ حاجةَ الشعبِ الفلسطينيِّ في الأَراضي المحتلة للتواصل مع العالم الخارجي، وكسرِ كل أَوجهِ الحصار، ومنها التعليميُّ والثقافي. وهو، إِلى ذلك، يُمثل قيداً جائراً على حقِّ المواطن الفلسطينيِّ في التعليمِ وحريةِ التنقلِ والحركة، والعجيبُ أَنَّ حركةً مناضلةً من أَجل تحريرِ هذا المواطن من الاحتلالِ، هي التي تقترفُ هذا القيد هذه المرّة، وليست إِسرائيل التي تحاربُ طموحاتِ الفلسطينيين إِلى الرقيِّ في تعليمِهم وتطوير مقدراتِهم وإِمكاناتِهم الثقافية.

معلومٌ أَنَّ طلاباً ينتمون إِلى حماس أَو يتعاطفون معها، يدرسون حالياً في جامعاتٍ غربية، وأَنَّ الجامعةَ الإسلامية في غزة، والتي تهيمن عليها الحركة، تحصلُ على منح لطلابِها ومحاضريها للدراسةِ في الخارج، وخصوصاً في بريطانيا. ولا مدعاةَ للتأشيرِ إِلى الفائدةِ الكبرى التي يجنيها طلابٌ فلسطينيون يحظون بمنح دراسيةٍ في الولايات المتحدة، في التحصيلِ العلميِّ واكتسابِ خبرةِ الاحتكاك بالعالم، وتطوير مداركِ أُولئك الطلاب الذين يبرر من ارتكبوا حرمانَهم من هذه الفرصةِ الثمينةِ، فعلتَهم بالحرصِ على هؤلاء الشبابِ من الغوايةِ والإِفساد وغسل العقول.

ويظلُّ الأَملُ معقوداً على أَن يعرفَ أُولو الأَمر الحاكمون في غزة بهولِ ما فعلوه، إِذا لم يستجيبوا لمناشداتٍ تطالبُهم بالتراجع عن قرارهم الأَخرق، وبالكفِّ عن ممارساتٍ وإِجراءاتٍ يواصلون فيها التضييقَ على العمل الأَهلي في القطاع، باستدعاءِ ناشطين في الحراك الشعبيِّ لإِنهاء الانقسام ومدوِّنين وصحافيين.

لن يمرَّ عيد الفطر بعد أَيام على أَهل فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد انتهى الانقسام، السياسيّ والجغرافيّ، المخزي، والذي صدقَ مصطفى البرغوثي في قولهِ إِنَّ استمرارَه فضيحة.

يُشارُ إِلى هذه البديهية، ونحن بالكاد نتذكَّر أَنَّ اتفاقاً للمصالحةِ بين حماس وفتح، تمَّ توقيعُه برعايةٍ مصريةٍ مقدَّرةٍ في القاهرة، قبل أَربعةِ شهور، إِذ لم يعقب ابتهاجَنا بحفلِ ذلك التوقيع أَيُّ إِجراءٍ من الحركتين يُعزِّزُ المصالحةَ التي قيل لنا إنها تمت، من قبيلِ الإِفراج عن المعتقلين السياسيين في رام الله وغزة، على الرغم من اجتماعاتٍ غيرِ قليلةٍ جرت بين موسى أَبو مرزوق وعزام الأحمد، ومن اتصالٍ هاتفيٍّ بين محمود عباس وإِسماعيل هنية، شاع أَنّهما اتفقا فيه على الحفاظ على أَجواء المصالحة، وفي البال أَنَّ الحركتين المتخاصمتيْن عجزتا عن إِبداع صيغةٍ تتعلبان فيها على عقدةِ سلام فياض.

الذي يتمسَّك عباس (وليس فتح بالضرورة) به رئيساً للوزراء. ولا تزيّدَ في الزَّعم هنا أَنَّ الذي ارتكبته سلطة حماس بحقِّ الطلاب الثمانية، يُضاعِفُ من منسوبِ التشاؤم المتراكمِ في المشهد الفلسطيني، بشأنِ تحقّق المصالحةِ المشتهاة، فالبادي أَنَّ حماس في غزة، وكذا فتح في الضفة الغربية، يُمارسان ما يشاءان من سوءاتٍ، من دون اعتبارٍ لاستحقاقاتِ هذه المصالحة، وأَحياناً من دون اعتبارٍ للبديهيِّ من حقوق البشر، كما عدوانُ حركةِ المقاومةِ الإسلاميةِ على فرصةِ ثمانيةِ طلابٍ مميزين، للدراسةِ في أَميركا مجاناً، وهو ما يبقى مأمولاً أَنْ يتمَّ التراجعُ عنه، فدلالاتُه شديدةُ الفظاعة.