جاءت الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي، وذهب من ذهب، بينما يحاول البعض التشبث بكرسي الحكم، سواء بالشبيحة أو القتل أو تجميد الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد.
لكن في حقيقة الأمر، فقد جرى في سلطنة عمان حراك شبابي، نجدوله ضمن فئة الربيع العربي، رغم أن ما جرى في عمان التاريخ ليس مطلباً للحراك الديمقراطي، بقدر أنه حراك نحو تفعيل مؤسسات الدولة والرقابة على فساد بعض المسؤولين.
وما فاجأ الكثيرين في ما جرى في دوار صحار وبقية مناطق عمان، ذلك التجاوب السريع من السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان لمطالب الشباب، وهو أمر قدر من عامة الشعب حينما أزاح السلطان قابوس مهندسي الاقتصاد وكبار العسكريين، وغيرهم من المسؤولين الذين فشلوا في تنمية إنسان عمان قبل تنمية الاقتصاد أو بناء قوة عسكرية.
تجاوب السلطان قابوس كان سريعاً، وبشكل لم يكن في حسبان أبعد المتشائمين، فقلب الطاولة رأساً على عقب، بهدف إصلاح الوضع الاجتماعي والتنموي في البلاد، وسن قوانين جديدة في النظام الأساسي، الذي ما كان يتوقع أن يتم تغييره خاصة في بلدان عربية التي تعتبر نظامها الأساسي أو الدستور، قرآناً لا يتغير، لكن السلطان قابوس، كان همه الأساس عمان الأرض وعمان الإنسان.
فرغم ان السلطان قابوس، صرح لرئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية في أحد لقاءاته (انه يعاتب مسؤولي حكومته عتاب «المحب» بتقدير أن كل من يعمل يخطئ). لكن للأسف أن المخطئ من المسؤولين، ليس دوماً تواباً من ذنوبه، إذا أمن العقاب.
لذلك تم التجاوب الكبير من السلطان قابوس لمطالب الشعب الإصلاحية الحقيقية، وليس ما ينادي به بعض منظري الثورات العربية تحت مسمى الديمقراطية.
فمن وجهة نظري لا ديمقراطية كاملة في العالم أجمع، فما بالكم في عالمنا العربي حيث الشعوب اليوم تطالب بإصلاحات اجتماعية تؤمن للإنسان عيشاً كريماً وحياة هنيئة. فكر السلطان قابوس، كان أبعد حتى من مطالب شعبه، فكانت الإصلاحات التي أعلن عنها سواء من حيث تثبيت من سيأتي لخلافة السلطان نفسه، أو تلبية المطالب بانتخابات رئيس مجلس الشورى من بين أعضاء المجلس المنتخبين من الشعب، وغيرها مما لم يتوقعه الكثيرون.
كما قام بتحويل المناطق العمانية لمحافظات ارتقاء بالتقسيم الإداري للبلاد، لإبعاد المركزية عن العمل الإداري والدفع بها نحو التطوير والبناء الذي يهدف لجعل كل أرض عمان واحدة في خطط التنمية الخمسية.
إن ما خلفته الثورات العربية، في عدد من البلدان الشقيقة، كان ربيعاً ثورياً، لكن في سلطنة عمان كان ربيعاً إصلاحياً لمرحلة بناء أكبر مما مضى خاصة وأن عمان تجاوزت مرحلة النضوج بعد الأربعين عاماً لنهضتها الحديثة، وهو أمر كان ينتظره الشعب للتحول لأبعد من بناء ميناء أو مطار، ليتطور لبناء جيل عُماني قادر على قيادة عُمان ذات التاريخ العريق، لمستقبل أكثر إشراقاً بعد نضوج فكر الشباب الذي ستبحر به سفينة عمان نحو مجد جديد، رغم طوفان الربيع العربي، وثبت أن سلطان عمان كان في تيار الربيع العربي، نموذجاً للاصلاح والتغيير، بعيداً عن هوس فرض السلطة أو هيمنة الدبابات وقتل المدنيين من أبناء الشعب، خاصة وأن من يقود الجيش هم من أبناء الشعب، فلا يعقل ان يقتل أحد أخاه أو ابن عمه في وقت يطالب فيه بإصلاح وطنه. إن سياسة الإصلاح هي انعكاس لفكر سلطان عمان بإنسانيته وحبه لشعبه وليس حباً في كرسي الحكم، الذي قال يوماً «أنا وما أملك لعمان وشعبها».
لذلك جنى العمانيون ثمار الربيع العربي، بشيء أكبر من مجرد تغيير قوانين، فقد تأكدوا أن سلطانهم قريب منهم واختارهم كشعب فوق كل شيء، وأدرك كيف يقود سفينة بلاده لبر الأمان في ظل موج عاصف بعالمنا العربي.