كان الشطرنج لعبة محرمة لدى بعض الفقهاء، لا لشيء إلا لأنها تلهي عن الصلاة، عندما كان هو اللعبة الوحيدة التي تأخذ المرء من عالمه، وتربطه بمكر ودهاء حتى انتهاء اللعبة بقتل الملك، كانت شهوة اللعب تمنع المرء من التوقف قبل النهاية، ليجد نفسه منغمساً فيه ممنياً النفس بالانتهاء قبل خروج وقت الصلاة وهو ما لم يكن يحدث في الغالب.
الملهيات عن الصلاة كانت موجودة في ذلك الوقت، ولكن الشطرنج كانت له خصوصيته وقدرته الطاغية على سحب الإنسان من مربع إلى مربع ومن نقلة إلى نقلة، من دون اكتراث بالوقت الذي ينسحب من بين يديه سحباً.
ولا شك أيضاً أن عالماً من الملهيات عن الصلاة، بل وحتى عن أداء الأعمال الحياتية الضرورية قد تكون في عصرنا الجديد، بدءاً بالسينما والتلفزيون ومروراً بالانترنت والألعاب الإلكترونية المختلفة، وصولاً إلى الفيس بوك والتويتر، اللذين شغلا الناس مؤخراً بشدة، وبالمقارنة بينهما، يخرج تويتر بطلاً في الملهيات، كما هو بطل في الإعلام الجديد.
قرأت للكثيرين معاناتهم في بداية دخول تويتر، والتعود على جوه الغريب، ثم معاناتهم من التغيير الذي أصاب حياتهم بسبب تويتر، فهناك من ترك القراءة وهناك من ترك هواياته الجميلة فضلاً عن الانقطاع عن الناس الذي يزداد يوماً بعد يوم لدى مستخدمي تويتر، كثيرون بدأوا يراجعون أنفسهم، بعضهم حدد وقتاً لتويتر لا يتجاوزه، وبعضهم ودع متابعيه مؤثراً السلامة على طحن نفسه في طاحونة الفراغ المقنّع، وبعضهم أعلن التوقف حتى حين. وكلهم يستحق التحية، فتويتر خطأ تاريخي في عالم الانترنت، ستكشف الأيام عن مداه، اللهم إلا إذا علقنا الخطأ على مشجب سوء الاستخدام الذي يتميز به العرب عادة.
أساس التواصل القائم على التبعية وليس المشاركة، هو أساس خاطئ ويهز عملية التواصل هزاً منذ البداية، كما أن ذلك التحديد الصارم للحروف بـ 140 حرفاً لم يحسن إلا جانباً واحداً من جوانب الكتابة وهو القدرة على الإيجاز، وهذه الفائدة قامت على أنقاض فوائد كثيرة كانت قائمة لدى الكتاب، منها القدرة على العرض والوصف والتصوير ببلاغة لفظية متقنة لا تعاني تخمة ولا ضموراً.
ربما أنتج تويتر كثيراً من الكتاب الجدد، بسبب كثرة الكتابة، ولكنهم يظلون محصوري القدرة في الكتابة المختزلة، فإذا كان تويتر قد تسبب في لجم خيول الكتابة لدى من تعود على الكتابة المقالية أو الأدبية الطويلة، فكيف بمن بدأ الكتابة الممنوعة من مد عنقها للثمار ويديها للشمس وصدرها للهواء، كيف بمن بدأ الكتابة مغرداً داخل قفص، ممنوعاً من التحليق والطيران.
التلوث النفسي هي الكلمة الأنسب، لما يسببه تويتر، وهي عبارة لشخص من الذين انتبهوا إلى خطورة الأمر وحددوا لتويتر وقتاً محدداً، وكما ذكر فإنه يشعر بتحسن صحته النفسية مذ بدأ ذلك.
ما سبق لا يلغي الاعتراف بإيجابيات تويتر التي تفوق سلبياته بكثير، ولكن معرفة كلا الأمرين ضروري لإجادة استخدامه، والاستفادة منه، من دون خسائر فادحة في جوانب أخرى.