أردد دائماً أنه كما يعاني الغربيون من اكتئاب الشتاء فإننا نعاني من اكتئاب الصيف، وأستغرب من عدم دخول الأطباء والمعالجين النفسيين على الخط لإيجاد حلول للتخفيف من اكتئابنا كما نجد عند القوم هناك، رغم أن اكتئابنا قد يكون أشد من اكتئابهم، وحالتنا أصعب من حالتهم! والأكثر غرابة من يتحدثون عندنا عن اكتئاب الشتاء ويصفون الحلول، بينما شتاؤنا هو الربيع الذي أشك أننا رأيناه في بيئتنا الصحراوية يوما.

من أنواع الاكتئاب التي أجدها تتكرر كل عام أيضا، اكتئاب العيد، وعيد الفطر تحديدا.. وهذا أسبابه كثيرة، جلها مما نفعله بأنفسنا ونجلبه لحياتنا، فالاستعداد للعيد يفوق المطلوب، والجري في مضمار بهرجته، يهلك الأبدان ويتعب القلوب، وطبعا.. يخلي الجيوب.

 الصغار والكبار، والنساء تحديدا، يتصرفون قبل العيد وطوال أكثر من شهر كالسائر نحو لحظة حاسمة، يقص فيها الشريط وتصفر فيها الصافرة ويندفع الضيوف من النساء نحو مجلس النساء، والرجال نحو مجلس الرجال، منبهرين بالفساتين والزينة والطعام، في زمن مختلف لا يشبه الأزمان، وهذا ما لا يتحقق! وتمضي الأمور بشكل هادئ وأقل حماسا.

وبينما يصل الاستعداد ذروته ليلة العيد، تصل الخيبة قمتها في الصباح، فلا أحد امتدح فستان فلانة، ولا أحد انبهر بحلويات علانة، ولا أحد انتبه إلى نعال هذا أو ثوب ذاك! الأسوأ من ذلك هو أن نوم صاحبات الفساتين الغالية والحناء العجيب عن صباح العيد وحرمانهن أنفسهن من أكبر بهجة فيه ألا وهي صلاة العيد.

والتي جعل الله فيها راحة وسعادة وبهجة للمصلين، ثم بقاء كل الطعام الذي تعبت في تحضيره وتكلفت في شرائه في صوانيه وأوعيته، وكأن الضيوف لم يتناولوا شيئا سوى الشاي والقهوة، لتبدأ تلك العبارة التي نعرفها جيدا بالدوران في رؤوسنا "ما عندنا سالفة"!

ولنبدأ الدخول في حالة يشتكي منها حتى الأطفال، عندما يرددون طوال الوقت ملل.. ملل، ثم الشعور الثقيل بالخيبة، وكأن لسان الحال يقول؛ أهذا كل شيء بعد كل ذلك التعب؟! والمؤلم أن الحالة تستمر لعدة أيام، وليس لأول أيام العيد فقط.

ومع وقوع العيد ولسنوات قادمة بإذن الله في الصيف، فسيلتقي اكتئاب الصيف باكتئاب العيد كثيرا، وحري بالمعنيين بالأمر تجهيز الدراسات والتوصيات للتخفيف من هذا الاكتئاب المركب، الذي لا أعرف اسم المرض الذي ينتج عنه.

وكثير من البساطة هو ما أظننا نحتاج إليه في كل تفاصيل العيد التي أرهقنا أنفسنا بها ماديا ومعنويا، والحديث عن ذلك يجب أن يبدأ في سعة من الوقت، وليس قبل العيد بأيام ولا بعده طبعا.. وما أجمل أن يكون العيد كما أريد له، فرح ومرح وراحة بال للجميع.