لطالما أحب الجانب الرومانسي للروح الجرمانية روح الشعب الإيطالية، فمنذ أمد بعيد والشماليون، شأن غوته، يحاولون الهرب، ولو في إجازات مؤقتة، من روح الحكمة والانضباط التي لا ترحم، بحثا عن انعدام الكفاءة الساحر والنزعة الحسية اللذين تتسم بهما مناخات البحر الأبيض المتوسط وثقافاته. وقد وضعت العملة الأوروبية الموحدة، جنبا إلى جنب مع أعباء دولة الرفاه التي ابتدعها بسمارك، والتي تواجه زوالا ديمغرافيا ومنافسة من جانب سائر الدول الناشئة في العالم.
والآن، يرتبط الجميع معا في مصير قاري واحد، مجبرين على الاستجابة لسوق السندات العالمي نفسه، من خلال التوفيق بين طباعهم المختلفة وبين الإيقاعات البروتستانتية للإنتاجية والقدرة التنافسية والمسؤولية المالية.
وعلى نحو غير مستغرب، فإن ثمة مقاومة على جميع الجوانب، مما يترك مشروع الاندماج الأوروبي في نوع من المطهر بين الدولة القومية القديمة والاتحاد السياسي الأوروبي الكامل. وفي تحول تاريخي رنان، أصبحت المسألة مرة أخرى مسألة صكوك غفران.
وكان الإصلاح البروتستانتي متجذرا في ثورة مارتن لوثر، ضد إرغام الفلاحين الألمان الفقراء على شراء صكوك غفران من رجال الدين الرومان الأثرياء كسبيل للخروج من المطهر. واليوم، يرفض أحفاد لوثر الأثرياء التساهل مع الإيطاليين الأكثر فقرا، والمتراخين ماليا أو مع غيرهم من الجنوبيين.
ويقلق المرء حول ما سيؤول إليه هذا كله، فما لم تستجمع أوروبا قواها السياسية الجماعية من أجل حل أزمة منطقة اليورو، فإن الازدهار سيتأخر والانقسام السياسي الخطير إلى الأطراف القصوى سيهيمن، كما حدث، للأسف، من قبل في القرن العشرين. وإذا نجحت أوروبا في التقارب نحو المعايير الألمانية الصارمة في عالم يشهد منافسة عالمية، فإلام ستؤول ثقافات الجنوب البهيجة؟
نعم، ينبغي على القطارات أن تنطلق في الوقت المحدد، وينبغي جمع الضرائب، غير أن المرء يقلق بشأن ما سيؤدي إليه منطق المواءمة في نهاية المطاف. في زيارة قمت بها أخيرا إلى سانتا كلارا، كانت العلامة الوحيدة على الحياة البهيجة، عبارة عن عدد من مهندسي البرمجيات الهنود، الوحيدين والبعيدين عن منازلهم، عاكفين على الشراب في "بيدروز"، وهو مقصف مكسيكي مزيف.
ولم يمض وقت طويل على زيارتي لسانتا كلارا إلا وكنت في روما أتجول في أنحاء ميدان "بيازا دل بوبولو" الكلاسيكي الجديد، الذي صممه جوزيبي فالاديير في أوائل القرن التاسع عشر، حيث تجمع المراهقون بشكل عفوي حول النافورة تحت مسلة "سيتي الأول" المصرية في وسط الميدان، واكتظت المقاهي المحيطة بالزبائن الذين راحوا يدخنون ويدردشون، ومرت حشود من المارة بالكنيستين التوأم "سانتا ماريا دي ميراكولي" و"سانتا ماريا إن مونتيسانتو"، اللتين أكمل بناؤهما برنيني، في طريقها إلى "فيا دل كورسو".
من قد يستبدل أحد المكانين بالآخر؟ لا شيء، بطبيعة الحال، يجب أن يكون بصيغة إما هذا أو ذاك في الحياة، ولا تزال ألمانيا بعيدة عن أميركا الخاضعة لسيطرة الشركات. ولكن يجب أن نكون حذرين بشأن ما نتمناه، خلال سعينا لتنسيق الترابط الحالي بين الهويات المتعددة.