بالنسبة إلى القلة القليلة من السوريين التي كانت أو لا تزال ترى في بشار الأسد رئيس دولة، يتلاشى شيئاً فشيئاً هذا التفكير لمصلحة تأييد يزداد سواداً، من قبل الحلقة الضيقة المقربة من الأسد، والمنتفعة تالياً من استمرار الأعمال العسكرية ضد الشعب، لما تدره من أرباح خيالية عليها.

تكمن الطامة الكبرى، في واقع الأمر، في حقيقة أن الهيكلية الحاكمة في سوريا منذ أكثر من أربعة عقود، لم تشعر في يوم من الأيام بأدنى انتماء إلى الوطن، أو تؤمن بأنها جزء من الشعب، بل تعتقد أنها تخوض حرب بقاء على امتداد الوطن، الذي تحول ساحة حرب مفتوحة بالنسبة إليها، ومعركة تصفية حسابات ثأرية تاريخية ضد الأغلبية المنتفضة عليها.

دلائل ذلك المنهج، تمثلت مؤخراً، حينما لم تتحرك أذرع النظام الأمنية أو الدبلوماسية، لنصرة السوريين المخطوفين في لبنان، ولم تعر قضيتهم أدنى اهتمام، وكأن الأمر لا يخص رعاياها في الخارج، الذين يفترض فيها حمايتهم، حيث وصل الأمر ببعض وسائل إعلامها إلى درجة التشفي بالمخطوفين، وتبني رواية خاطفيهم والتعاطف معهم. وقبل ذلك، كان هناك إثم التسويق بكثافة لادعاءات تعرض سوريات للاغتصاب في مخيمات اللاجئين التركية، وتكرارها بلهجة انتقامية، حرص معها مروجوها على التركيز على الطابع الفضائحي للأكذوبة، وكأن هؤلاء النسوة لسن سوريات، وكأن قضية تعرضهن للاعتداء لا تخص ما يجب أن يكون «سلطات» تدير شؤون مواطنيها أينما وجدوا.

ولعل المثال الصارخ على تقمص العصبة الحاكمة روح أمراء الحرب، ظهر في الكيفية التي تعاطت من خلالها مع مجزرة داريا المأساوية، بحيث صورتها على أنها حدث مزعج فحسب، وتفصيل صغير، رغم أن الرواية الرسمية الممجوجة تتصيد أي خطأ صغير للثوار، المتهمين هنا من النظام بارتكاب المجزرة، وتعمل فيه تضخيماً، فيما تبين في المقلب الآخر، حجم التجييش الإعلامي والمذهبي رسمياً، حينما ضرب تفجيرٌ جرمانا، المسكونة بجماعات متحالفة مع السلطة، وكأن دماء أزيد من 300 قتيل في داريا لا تساوي 5 في جرمانا.

يشي كل ذلك بدهياً بعقلية ميلشيوية بحتة، تقف وراء ذلك النمط من التفكير، وتختفي معه أي علامات لمنطق الدولة الراعية والحامية لكافة مكونات المجتمع، لأن الميلشوي يهتم أولاً وأخيراً بالمصلحة الضيقة لحلقته، وينطلق من مواقفه في حساب المكاسب التي قد يجنيها، أو الخسائر التي يمكن أن يتكبدها.

إن مشاهد دهم أحياء المدن والقرى السورية الثائرة، وتجويعها وسرقة أو حرق منازلها، وقتل واغتصاب وبتر أعضاء سكانها بأسلوب العقاب الجماعي، لا تذكّر، بطبيعة الحال، إلا بحقبة زعيم ميلشيا الجبهة الثورية المتحدة في سيراليون فوداي سنكوح، الذي أطلق العنان لأنصاره وأتباعه ليفعلوا ما يحلو لهم تماماً بأهالي المناطق المعارضة لهم، خلال حملة «كافئ نفسك» المشهورة حينها.

وعليه، لا يمكن في نهاية المطاف سوى أن يُنعت مثل هؤلاء بأنهم لوردات حرب، شاءت المخططات أن يكونوا هم من يتحكمون في مخازن السلاح والقواعد العسكرية، ليبطشوا بالناس، وليسوا حتى قوة احتلال داخلي، كما يوصفون أحياناً، لأن لقوى الاحتلال التزامات بموجب القوانين الدولية، تمنعها من ارتكاب تلك الأفاعيل الميلشيوية على مرأى ومسمع من العالم.