أحد أروع أفلام فريد شوقي إن لم يكن أروعها على الإطلاق، يحكي عن طبيب جراح يموت ابنه (الذي يقوم بدوره نور الشريف) بين يديه أثناء إجرائه لعملية له لإزالة ورم من مخه، والعبارة (لا تبك يا حبيب العمر)، يقولها الابن لأبيه في وصيته له.
ومناسبة الحديث عنه هو العلاقة بين الأب وابنه وكيف تتجلى في الأزمات والمواقف الصعبة. في ذلك الفيلم العلاقة بين فريد ونور، علاقة تفيض حباً وجمالًا، ومجرد وصف الأب بأنه (حبيب العمر) فيها الكثير من التبيان لنوع تلك العلاقة ومستواها الروحي الرفيع.
حبيب العمر عندما تقال للوالد، فإنها تعني أنهما اشتركا في الكثير من التفاصيل واللحظات المشحونة بالحب، في اللعب، في السفر، في المسرات والأحزان وفي الخوف والألم، إنها تعني تقربا شديدا للأب من ابنه، حتى غدا قريبا من روحه وقلبه.
الحياة كما نعلم أخذ وعطاء، وما تعطيه اليوم تأخذه غداً، وما تأخذه بغير وجه حق، يؤخذ منك عاجلا أو آجلا، في العلاقة العاطفية بين الأب وابنه فإن المعادلة بسيطة، فإذا كانت بنيت على الحب والرحمة فستثمر حبا ورحمة، وإن بنيت على الحرمان العاطفي، أنتجت يبابا في يباب، ولا ينتظر منها بر ولا عطاء، إلا من لمن رحم ربك.
مصاعب الحياة والظروف القاسية التي قد يمر بها الأب، في الحياة، في العمل، في الظروف المالية وفي العلاقات الاجتماعية، تبين له مدى حاجته الشديدة لأسرته وأبنائه، ومن الأبناء من يقف مع أبيه كما ينبغي، وقفة رجل شجاع نبيل محب، ومنهم من يدير له ظهره، ويدمي قلبه بجارح الكلام.
في خضم العمل والمشاغل وهموم الحياة، ينسى البعض أهمية الاقتراب الفعلي، الصادق والحنون من أبنائهم، فيكونون معهم جسدا بلا قلب، قد يأخذهم إلى هنا وهناك ويشتري لهم ما يحتاجون ولكنه لا يغلف وقته وعطاءه بجمال الكلمة ودفء الشعور، لاحقا يحاول الابن أن يتذكر مشهدا واحدا فقط، يخطئه فيما كونه عن أبيه من فكرة، فلا يجد، يتذكر أن والده قام بمسؤولياته تجاهه كالمجبر المضطر وليس كالطائع السعيد بدوره في الحياة أباً لصغار كالعصافير، ملأوا حياته بالبهجة والحبور.
في الكبر، تتضاءل قدرات الأب على العطاء والاهتمام بأبنائه، وقد لا يأنس الأبناء بقربه، خاصة إذا كان يكثر من الشكوى والتبرم، فإذا أضيف إلى ذلك انعدام الرصيد السابق الكافي من العطاء العاطفي، فإن الجفوة في العلاقة تزداد، ليجد الأب نفسه وحيدا معزولا في جزيرة من الشعور البارد، وتتحول حياته إلى أيام من المرارة والعذاب.
وكما انشغل عن ابنه في صغره وأعطاه أطراف الكلام وفتات الاهتمام، يفعل الولد مع أبيه حين يكبر. لا تبك يا حبيب العمر، لن يقولها ولد لأبيه أبداً، ما لم يستحضر صورة عميقة لوالده وهو يحتضنه، مجتهدا لمنحه أكبر قدر من الشعور بالثقة والأمان، ماسحاً على رأسه وهو يقول؛ لا تبك يا حبيبي .. لا تبك .