كانت دليمة خادمة متميزة، بل إن الكلمة الأكثر إنصافاً لها هي كلمة مبدعة، لم تكن تفعل الأشياء بشكل عادي، بل بشكل مبهر، كانت من ذلك النوع من الناس الذي يضفي على المكان إحساساً بالدفء والأمومة، تصنع القهوة بمزاج وتقدمها بهدوء، تطبخ الطعام بحب وتقدمه بذوق، تفهم في علم الأعشاب، وتجيد فن الخياطة، وتقترح حلولاً جيدة لكثير من الأمور.

ولكن وكقصص كثيرة مشابهة، ومع ازدياد الثقة بها يوماً بعد يوم، كانت شخصيتها تتكشف عن جوانب غريبة وغامضة وصارت تتحدث كثيراً عن السحر والجن، وبدأت تهمل في عملها وتكثر الكذب والخداع والتملص.

كان لابد من الاستغناء عنها وسد باب المتاعب، وهنا جاءني من ينصح بضرورة تفتيش أغراضها من دون علمها، خوفاً من احتفاظها بشيء من متعلقاتنا بغرض السرقة أو لأغراض أخرى.

رفضت ذلك لأنه تصرف لا يحترم إنسانيتها وحقها في الخصوصية، ولأن ذلك يدخل تحت ذنب التجسس المنهي عنه شرعاً بقول الله تعالى ( ولا تجسسوا) فقيل لي بأن كل الناس تفعل ذلك، وأن الخادمة التي تكذب وتثير الريبة تستحق تُفتش أغراضها.

عذر أقبح من ذنب، هم يكذبون ونحن نتجسس، يرتكبون إثماً ونقابله بإثم بل بآثام، مع فارق أنهم خدم، يشعرون بالدونية وهذا يعزز تصرفهم بدونية أيضاً، إضافة إلى ضغط العمل وطبيعة العمل المنزلي، ومع افتراض توفر العدالة والرحمة، فإن كل تلك الظروف بيئة خصبة للعادات والتصرفات السيئة كالكذب والخداع والتكاسل، حتى إنه ليندر وجود خادم لا يكذب، ولكن يندر كذلك وجود ربة منزل لا تغتاب خدمها للأسف.

وقع إيميل تلك الخادمة في يدي وأنا أقلب في كتاب طبخ ذات مرة، وجدته مكتوباً في ورقة موضوعة بين صفحات الكتاب، وخطر ببالي أن أفتح الإيميل للاطمئنان على أنها لم تضع فيه ما يخصنا، ولكني عدت إلى نفس تفكيري السابق متساءلةً؛ من أعطاني الحق بذلك؟ وكيف أهدر حقها في الخصوصية؟ وهل كنت سأفعل الأمر نفسه مع إيميل إحدى صديقاتي لو وقع في يدي؟ فتراجعت عن الأمر وأعدت القصاصة إلى مكانها.

ليست دعوة إلى التهاون والتفريط في حقوقنا، ولا نوع من المثالية الزائدة، ولكنها دعوة إلى عدم الانزلاق إلى ما نستهجنه ونآباه على أنفسنا، حين يأتي دور التعامل مع الخدم، فالدين هو الدين والقيم هي القيم، وممارسة التفرقة بهذا الشكل تضرنا نحن في النهاية إضافة إلى ما نقدمه من قدوة سيئة لأبنائنا قد تفقدهم جوانب هامة من جمالهم وإنسانيتهم مع الأيام.

البدائل لتصرفاتنا متوفرة ويمكننا اللجوء إليها بسهولة، حيث يمكننا تفتيش أغراض الخادمة بعلمها، وبطريقة ودية، كأنه إجراء روتيني، والبديل عن الغيبة هو الاختيار الأفضل للكلمات، فعوضاً عن إعلام القاصي والداني بأن الخادمة ربما سرقت، نقول ان تصرفاتها لا تعجبنا، أما الأهم فهو البعد عن جعل أخطاء الخدم حديث النساء المفضل في كل لقاء.

دليمة غادرت بسلام بدون تفتيش، تاركة ذكريات جميلة أكثر من السيئة.