حدث مرة، أنّ فضائية عربية أجرت دردشات سريعة مع شبّان عرب، في استطلاعات قصيرة في عدة بلدان، اختيروا عيّنات عشوائية. سألتهم عمّا يعرفونه عمّا حدث يوم 5 حزيران 1967، فكانت المفاجأة صادمة جداً، أقلّه لشخص مثلي، أنّ عديدين منهم لا يعرفون أنّ كارثة عسكرية وسياسية ووطنية كبرى حلت بالأمة العربية ذلك النهار.

وعندما شرح لهم سائلوهم أنّ إسرائيل اعتدت على مصر وسوريا والأردن، واحتلت فلسطين وسيناء والجولان، بدا مذهلاً أنّ بعض أولئك الشبّان يسمعون الخبر أول مرة، وكان لافتاً أنّ فتية من قرى في السودان واليمن يعرفون الواقعة المشهودة، فيما يجهلها مجايلون لهم من بلاد يشهد لها بتقدّم في التعليم والتحديث. لا شطط في الزّعم، هنا، أنها فضيحة كشفتها تلك الاستطلاعات العجولة، تتعلق بتردّي مناهج التعليم العربية، حين يغيب في تدريس التاريخ، في الابتدائية والإعدادية والثانوية، شرح عن النوائب العربية إياها، من طراز هزيمة 1967.

ليس كاتب هذه السطور على معرفة طيّبة بما تشتمل عليه المناهج المذكورة بشأن حرب السويس، واستعمار ليبيا والسودان والجزائر وتونس واستقلالاتها، أمثلة. وإذ تحضر واقعة حزيران الثقيلة (النكسة بحسب الدارج رسمياً!)، في فقرات موجزة في بعض المناهج، في سوريا ومصر والأردن مثلاً، فلنا أنْ نتخيّل كم فادح فيها غياب ذلك التاريخ. ولا يؤتى التأشير، في هذه السطور، على هذا الأمر صدوراً عن هوى قوميّ عروبي، يأنف منه بعضهم.

وإنما عن وجوب حماية تدريس التاريخ في بلادنا، ومعه العملية التعليمية برمتها، من بؤس وخفّة حادثيْن فيهما، يجعلان التلميذ العربي، المسلّح بفضاء الإنترنت والتلفزات العابرة للقوميات والحدود والهويات، يرفل في جهل مريع بشأن أمته وبلده، ولا يرى منقصة، أو حرجاً، لديه، إذا كان لا يعرف شيئاً عن عبد الكريم الخطابي وعز الدين القسّام ويوسف العظمة وسعد زغلول، ولا يدري، مثلاً، أنّ بريطانياً وفرنسياً، اسمهما، سايكس وبيكو، رسما خريطة بعض المشرق العربي الراهن.

وإذا أضيف إلى جهل مريع من هذا الوزن، عدم الدراية بما جرى نهار يوم 5 حزيران قبل 46 عاماً، فإنّ المسألة تصبح مقلقة جداً، ولا غلوّ في اعتبارها مسألة تتصل بالأمن القومي العربي، بالنظر إلى صلتها، بداهة، بالشخصية العربية والثقافة العامة الواجبة لديها.

حطّت، أمس، ذكرى جديدة لواقعة 5 حزيران، ولم تكن ثمّة مدعاة لاستذكار العظات إيّاها في مثل مناسبة كهذه، شديدة الوطأة على الذاكرة العربية، فالهزائم التي تتالت، بعد ذلك الجرح الكبير في الجسد العربيّ المدمّى، أوقعت في الجسد نفسه جراحاً تعصى على العدّ، وصيّرته مثقلاً بتواريخ ستتعب منها مناهج التدريس لو مرّت عليها، أضيفت إلى أرشيف فيه من فائض الخيبات العربية ما لا يستثير لدى تلميذ في المنامة أو الخرطوم أو صنعاء رغبةً في تذكّرها، لكنها الذكرى الحزيرانية، أوجبت هذا الكلام العابر العجول هنا.