محمودٌ من الرئيس محمود عباس اتصالُه بالمغني راغب علامة، ليوصيه بالموهبة الفلسطينية محمد عسّاف، في منافسات «عرب آيدول» على «إِم بي سي»، وإِنْ في محلِّها انتقاداتٌ له لعدم زيارته جرحى وأُسر شهداء وأَسرى. وإِذ تنتظم في قطاع غزة «حملةٌ وطنيةٌ» لدعم التصويت بكثافة للفنان اللافت، والذي جمع في إِحدى حلقات البرنامج التلفزيوني خمسة ملايين صوت، فذلك يعني أَنَّ مساندة عباس وأُسرته، وكذا سلام فياض ومنيب المصري والحكومة الفلسطينية، للمغني الصاروخ، على ما وُصف محمد عسّاف، تصير واجبةً.
وإِذا غاب اهتمامٌ رسميٌّ بالشاب الذي لفت أَنظار ملايين العرب، وهو القادمُ من خان يونس في القطاع إِلى بيروت، ليقدّم أُغنياتٍ وطنيةً وعاطفيةً طربيةً في أَداءٍ بديع، فذلك سيكون تقصيراً مُداناً. والأَجدى من استهجان إِسناد عباس والسلطة الوطنية في رام الله موهبة عسّاف الرائقة، فيما تنهبُ إِسرائيل القدس بالاستيطان فيها، أَنْ يتمَّ التملي في وحدة الفلسطينيين، في الداخل والخارج، على تنوع ميولهم وأَمزجتهم وأَهوائهم السياسية، وتعدّد شرائحهم ومستوياتهم الاجتماعية، وهم يُؤازرون هذا الشاب ويبتهجون، بزهو غالباً، بأَدائه الدافئ، بين جمعٍ عربيٍّ كبيرٍ.
انتبه الفلسطينيون في شتاتِهم، وفي جناحي الوطن، على ما تُسمي حركتا فتح وحماس الضفة الغربية وقطاع غزة في مهاتراتِهما المضجرة، إِلى ثناءِ نانسي عجرم على عسّاف، أَنه فنانٌ يجمعُ بين الموهبة والقبول وحبِّ الناس والاحتراف، ولم ينشغلوا بمناكفات الحركتين العتيدتين، أَخيراً، بشأن شرعية الحكومة الجديدة وعدم شرعيّتها.
ومعلومٌ أَنَّ الأصوات التي يجمعها الشاب الموهوب في حلقةٍ واحدةٍ تفوق أَصوات «فتح» و«حماس» معاً في انتخابات 2006. هذه الحقيقة، مضافاً إِليها أَنَّ ملايين يزورون أُغنيات عسّاف في «يوتيوب»، تبيحُ الزَّعم إِنَّ في غناءٍ جميلٍ من موهبةٍ فلسطينيةٍ واعدةٍ، قدرةً كبيرةً على توحيد الفلسطينيين، يتجاوزون في غضونِها أَيَّ انقساماتٍ واستقطاباتٍ.
ولا شططَ في القول إِنَّ «عرب آيدول»، حين يُشاهد كل حلقةً منه 40 مليون عربي، يؤكد قوة الفن في ربط الوجدان العربي، وفي تمتين الحسِّ القوميِّ للأمة، ما لا تقدرُ عليه النخبُ المثقفة وخطابُها الذي يُعلي راية القومية، مع تقديرٍ لها ولجهودِها. ودلَّت خلافاتٌ بين هذه النخبة العربية في مؤتمر لها في القاهرة الشهر الجاري، بشأن سوريا ومحمد مرسي، على بؤسٍ غير هيِّنٍ في أَدواتِها وأَدائها.
جاءَ محمد عسّاف إلى بيروت، ليغني متنافساً، من قطاع غزة، حيث تدسُّ سلطة حماس الحاكمة أَنفها بوضع شبّانٍ الجلَّ على شعورِهم وبلبسهم سروايلَ ساحلة، وتُحدّد منسوباً للرجولة.
وبذلك، فإن الشاب في نجوميته الراهنة، وفي تأديته أُغنياتٍ عاطفية، يخرقُ محرّماتٍ أَشهرتها الحركة الإسلامية، ويردُّ، في الوقت نفسِه، على ناطقٍ باسم الجيش الإسرائيلي، أَراد استثمار عدم حماس «حماس» لغنائه، ويعلن أَنه سيخدم وطنه والأسرى، بلغةٍ وطنيةٍ ناضجةٍ وجامعة، فيستحقُّ منا رفعَ القبعة له، حماه الله، وأَسعدَ بغنائه شعبَه الجائع لأيِّ بهجة.