طالما قال الدكتور سليم الحص إِنَّ في لبنان كثيراً من الحرية وقليلاً من الديمقراطية، وهذا التوصيف هو الأَنسب لتشخيص حال هذا البلد، الذي باتت شؤونُه مضجرة، سيما وأَنَّ تمام سلام ينال مباركة 124 نائباً (128 عضوا في البرلمان)، ثم لا يستطيع، أَزيد من شهرين، تشكيل حكومةٍ كُلّف برئاستها. يقول، الأسبوع الجاري، إِنَّ السلطة التنفيذية لا تحتمل الفراغ، غير أَنك لا تقع على اكتراثٍ جدّيٍّ بذلك تبديه القوى السياسية المتخندقة في اصطفافاتها، .

والتواصلُ بين بعضها يكاد يكون مقطوعاً. وكانت قصة النأي بالنفس عن الأَحداث في سوريا من طرائف تنكشف عن اهتراءِ الدولة، حين ظلت الحكومة، برئاسة نجيب ميقاتي، تلحُّ على أَنَّ خيارها هو ذاك، فيما وزير الخارجية، عدنان منصور، يخرج عنه في اجتماعٍ وزاري عربي.

ويُشهر انحيازاً لنظام دمشق، وفيما يشارك حزب في الحكومة، في القتال في الأَراضي السورية، إلى جانب النظام المذكور. يبحث تمام سلام عن صيغةٍ "لتزبيط" حكومة من 24 وزيراً، قال إنهم سيتوزعون بالتساوي بين الوسطيين وتكتلي 14 آذار و8 آذار.

فيما يطالب الأخير بتمثيل القوى السياسية بأَوزانها الحقيقية. ولا نظنًّ أنَّ في وسع أَحد، بعبقرية أينشتاين وقدراته، أَنْ يُمايز الوسطيين من غير الوسطيين هناك. وتقدير الأَوزان الحقيقية يحتاجُ طاقة حسابيةً ذات فرادة استثنائية. وإِذ كان يُقال إِنَّ تنظيم الانتخابات مهمةٌ أولى لحكومة سلام المشتهاة، فقد جاء التمديد للمجلس النيابي 17 شهرا، ليجعل الرجل مضطرّاً للبحث عن مهمات أُخرى لحكومته التي يريدها حكومة المصلحة الوطنية اللبنانية.

لعل أولاها حماية لبنان من المربعات والدويلات الأمنية، في طرابلس والضاحية الجنوبية وصيدا، أَمثلة. ولا نحسب أَن تنزيل هكذا مهمة عويصة على الأرض ميسور، طالما أَنَّ تقاطعاتٍ مذهبيةً وخطاباتٍ طائفيةً تتشابك في هذه الخريطة، وفي أَداء الزعامات السياسية الوازنة.

إنه لبنان وخصوصيته يا صديقي، هكذا يُجيبك من قد تسأله عن بؤس هذا الحال، والذي تستقوي فيه أَحزاب وجماعاتٌ بالسلاح على الجيش والدولة، وعلى بعضِها، وتتذرع أُخرى بحماية المقاومة، وهذه تحتاج إِلى أَنْ تُحمى من نفسِها، بحسب الرئيس ميشال سليمان، ويتذرع بعضها بحماية الطائفة السنية، على ما يجهر بذلك مسلحون في غير مطرح، منهم شاب اسمه الشيخ أًحمد الأسير، وقد صار مسأَلة أَمنيةً، بعد أَنْ كانت خفة مسلكياته تثير الاستهجان، وربما العطفَ على شخصه. وننتبه، في أَثناء التجوال العابر في التفاصيل اللبنانية.

وسجالات "الأَفرقاء" (وهذه مفردة ذات ابتكار لبناني)، إِلى حراكاتٍ شبابيةٍ شجاعة، تتحرك سلماً، وبهمَّةٍ نشطةٍ مدنيةٍ بالغة التحضر، تتسامى عن النزعات الطائفية والمخترات السياسية الرديئة، وترفض تمديد المجلس النيابي، وتسخر من مشاريع قوانين الانتخاب المقترحة (الأَرثوذكسي مثالا)، وتؤكد على الدولة حقيقةً أولى مطلوبة. ننتبه إِلى هذه الطاقات الشبابية بفرح، فيما الحزنُ يمكث فينا مما لبنان فيه، مأسوراً ومخطوفاً، وينأى بنفسه عن نفسِه.