يجوز أن تُرمى بالبلاهة، إِذا سأَلتَ عن جديد أَخبار المصالحة الفلسطينية، وإِنهاء الانقسام، المخزي كما وصفُه دائماً، وإِذا مضيتَ إِلى سؤالٍ آخر عما قد يجري بعد الرابع عشر من الشهر الجاري، والذي قيل إنه استحقاقٌ فلسطينيٌّ عتيد، يُفترض أَنْ تنتهي فيه فترة تصريف الأَعمال لحكومة رامي الحمد الله. وفي البال أَنَّ مكوث هذا الرجل في منزله، بعد أَول احتكاك مع وزير، يعد استخفافاً منه بالموقع الذي أُنيط به.

وعلى أَي حال، لا يبدو أَنَّ مسار المصالحة الذي تم الاتفاق في أَحدث محطاته على تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية، برئاسة محمود عباس، لتعبر إِلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فينتهي هذا الحال التافه، لا يبدو أَنَّ هذا المسار ماضٍ إِلى إِنزال التفاهمات الوفيرة السابقة في الواقع، سيّما وأَنَّ موسماً لمناكفاتٍ إِعلاميةٍ واتهاميةٍ نشط مجدداً بين حركتي فتح وحماس، بعد غبطة الأولى بتغيير الثالث من يوليو في مصر وخسارة الثانية حليفا مهما لها في قصر الاتحادية بعد هذا التغيير.

وجاءَ ذهاب رئاسة منظمة التحرير إِلى التفاوض مع إِسرائيل، بعد ضغوطٍ عربيةٍ وأَميركيةٍ معلومة، ليُضاعف من التباعد بين الحركتين البادي أَن مسأَلة إِنهاء الانقسام في ذيل أَولوياتهما، وأَنهما يُؤثران التسلي بالمكايدات المألوفةِ بينهما، وهذا اتهام فتح غريمَتها (هل المفردة في محلها؟) بزجِّ الفلسطينيين في الانقسامات المصرية، يُوازيه اتهام هذه لتلك بتوفير تقارير مغرضةٍ للمصريين في هذا الشأن.

تبدو "حماس" كما الذي يقتل أُمه وأَباه، ثم يريد عطف المجتمع عليه لأَنه يتيم، حين تعمل على ابتزاز المشاعر والعواطف بشأن إِجراءاتٍ مصرية، وإنْ في عام رئاسة محمد مرسي، بشأن هدم أَنفاقٍ بين قطاع غزة المحاصر والأَراضي المصرية، من دون أَنْ تضع قدّامها السؤال الأَجدى، عن الزمن الذي سيبقى فلسطينيو القطاع الذين تختطفهم سلطتها في هذا الحال غير الإنساني، إِنْ سيدوم إِلى الأَبد، طالما أَنَّ مشايخ الحركة يبرعون في توليد المآزق الكثيرة أَمام إِنهاء الانقسام.

والعبور إِلى المصالحة المشتهاة، ما من شأنه أَنْ يعيد السلطة الوطنية، المعترف بها رسميا من مصر وغيرها، إلى التواجد في معبر رفح، فيصير دخول البضائع وعبورُها من مصر وإِليها عاديا وبالكيفيات المشروعة، بدلاً من استمراء بطولات التهريب، المعلن والمكشوف، من الأنفاق وإِليها.

وكان الظن أَنَّ صيغة الأَنفاق هذه وحدها ينبغي أَنْ تكون سبباً لاندفاعتها إِلى إِنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام، ولكنْ يبدو أَنَّ الحسابات لديها غير التي نفترض، أَخلاقياً وإنسانياً، قبل الفصائلي والسياسي المرتهن لخياراتٍ خارجيةٍ، متذبذبة ومهتزة.

لا نضجر من كلامٍ جديدٍ عن بؤس القاع الفلسطيني، والذي لا يبدو أَنَّ مسؤولاً، في "فتح" و"حماس" وغيرهما، رفيعاً يعي مداه، حين ينخرط الجميعُ في رهاناتٍ وحساباتٍ وفيرة، مؤسفٌ إِلى حد الفجيعة أَنَّ إِنهاء مهزلة الانقسام المخزي في صدارتها، أَو أَنه منها.