اكتملت، الأُسبوع الجاري، 37 عاماً على مذبحةِ مخيم تل الزعتر، التي قضى فيها ثلاثةُ آلاف فلسطيني ولبناني، وارتكبتها ميليشياتٌ لبنانيةٌ فاشية، برعايةٍ وإِشرافٍ مباشريْن من قواتٍ سورية، يسَّرت اقترافَ الجريمة التي لا تحفل بذكراها الصحافة العربية، سأْماً، ربما، من رتابةِ استدعاءِ الأَرشيفِ المثقلِ بالجوائحِ شديدةِ الوطأَةِ على الذاكرةِ الفلسطينية.

واحتراماً لدماءِ الذين راحوا في تلك المقتلة، ليس من الأَخلاقِ تناسيها هذا، سيّما وأَنَّ استدعاء جريرة الشريك السوري فيها يصلُ بين دماءٍ تسيلُ في مدن سوريا وقراها وبلداتِها وأَريافها ودماءٍ فلسطينيةٍ كثيرةٍ نزفت بنيرانِه، فمن شمائلِ نظامِ دمشق استهانتُه، العتيقةُ والمستمرة، بدماءِ السوريين والفلسطينيين واللبنانيين، والعراقيين تالياً، صدوراً عن "القومية" التي يعتنقها، وفي البال أَنَّ نحو ألف وأربعمائة فلسطيني قضوا بنيران النظام الغاشم في محدلة التمويت الجارية في سوريا منذ أزيد من عامين.

تعمَّدَ المجرمون من "نمور" كميل شمعون و"كتائب" بيار الجميل إِزالةَ مخيم تل الزعتر، وكان ساكنوه العشرون ألفاً الأشدَّ فقرا بين فلسطينيي لبنان منذ إقامته في 1949، وانضم إليهم 15 ألف لبناني، وقد تعرضوا، سبعةَ أَسابيع، إلى 55 ألف قذيفة، بعد حصارٍ تجويعيٍّ قاسٍ استمرَّ أَربعةَ شهور وقتلَ 300 طفل ورضيع.

وفي التفاصيل، أَنَّ الحركةَ الوطنيةَ اللبنانية حاصرت بلدة زحلة معقل مسيحيي شمعون، واعتبرت سكانَها رهينة، لمنعِ ضرب "تل الزعتر"، غير أَنَّ تدخلاً عسكرياً سورياً رفع حصارها، واستهدفَ قوات منظمة التحرير وعناصر تلك القوى اللبنانية، وأَتاحَ لأولئك الفاشيين القدومَ إِلى تل الزعتر، وبإِشرافِه ارتكبوا فظاعاتِ التقتيل والاغتصاب.

ومنعت القواتُ السورية، في الأَثناء، وصولَ أَيةَ إِسعافات، وتنافست الميليشيات المجرمة في ذبح أَكبر عددٍ من الفلسطينيين، وبمشاركةٍ إِسرائيليةٍ كما رُويَ لاحقاً، وكان صمودُ أَهلِ المخيم والمقاتلين الفلسطينيين في الحصار ونازلةِ القتلِ المجنونةِ باهراً.

لم تُبالغ ناجيةٌ في قولِها إِنَّها المجزرةَ الأَبشعُ في التاريخِ بحقِّ الشعب الفلسطيني، ولم يتزيّد المرحوم صلاح خلف (أبو إياد) في اعتباره "تل الزعتر" أَطول معارك الحرب الأهلية في لبنان، وأَكثرها خسائر وضحايا.

وفي غضون إِسنادِنا الواجبِ ضحايا العسفِ الدمويِّ المستمر بحقِّ الشعب السوري، يحسنُ تأْكيدُ انعدامِ أَخلاقيةِ نظام دمشق، في تبديلِ تحالفاتِه وسمسراتِه وبحثهِ عن مصالحِهِ في لبنان وغيرِه، وفي الموضوعِ الفلسطيني أَيضاً.

وكذا التذكير الدائم بسوءاتِه "العروبية" العديدة، ومنها "مشروع الإبادة بالأُسلوب الفاشي الصرف"، بحسب وصف صلاح خلف ما جرى في تل الزعتر، وكذا التضييقُ على من تبقّى من فلسطينيين في مخيماتِ الشقاءِ اللبنانية، والتخريبُ المديدُ في منظمة التحرير بإِحداثِ الانقسامات فيها.

 ومن دون شطط، تٌكَذّب مآثر النظام المذكور ضد الفلسطينيين وكيانيَّتِهم وقيادتهم الدعاوى الممجوجة عن نُصرتِهِ نضالَهم، وجاءت هذه السطور على ذكرى "تل الزعتر" للتأشير إِلى هذه البديهية، ولأَنَّ خيط الدمِ واحدٌ في ذلك المخيم الذي كان، وفي أَريافِ سوريا ومدنِها وقراها وبلداتِها النازفة.