مهما تزوَّدت بإمكانات التسلح الوحشية، ومهما عدَّت سنوات على مصادرتها بعض فلسطين، وإقامة دولةٍ عليها، لا تستطيع إسرائيل أن تنزع عن أهل فلسطين، بجميع أجيالها، ارتباطهم بقراهم ومدنهم وبلداتهم، في وجدانهم العام، وفي اتصالهم بذاكرة لا تشيخ، تصل كل ماضٍ في فلسطين بكل حاضرٍ مستجدٍّ ومستقبلٍ قادم. مناسبة التأشير، هنا، إِلى البديهية هذه، ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي، قبل أيام، فعلةً قبيحةً، في العباسية (قضاء يافا)، .

والتي كانت تعدُّ أكبر قرى فلسطين عند نكبة 1948، بجرفها مقبرةً إسلامية تاريخية، لتحويلها حديقة ألعابٍ لأطفال المستوطنين هناك، في عدوانٍ يتصل بأرشيفِ اعتداءاتٍ عديدةٍ، على العباسية وأهلها الذين لا تُنسى بسالتهم في الدفاع عنها إِبّان حرب النهب والطرد في عام النكبة، عندما تصدّوا لعصاباتٍ صهيونيةٍ ببوارديهم، وتمكنوا من تحرير بلدتهم، قبل أنْ يسلب المحتلون، في محاولةٍ ثانية، بالترهيب وجرائم القتل والترويع، العباسية من أصحابها. وقد سقط شهداءُ ومصابون في الأثناء، وقضى غيرهم في مذبحةٍ موثقة ارتكبتها عصابة الأرغون، بإِطلاق النار وزرع القنابل والعبوات الناسفة.

أَزيد من ستة عقودٍ مضت، توزَّع نحو سبعة آلاف فلسطيني كانوا أهل العباسية وساكنتها، في شتات اللجوء، لاسيما في الأردن، غير أنَّ هذا الزمن الطويل لم يمتصَّ شيئاً مما في وجدان ناس القرية، والذي ورثه الأبناء والأحفاد، من كبارهم، ويحمي العباسية من النسيان.

ويجعلها تقيمُ دائماً في المدارك والعقول، وفي البال أنها ظلت من أشهر قرى فلسطين في زراعة الحمضيات، وعُرف أبناؤها بصناعة الحصر. وإذ لا يتوقف الاحتلال عن جرائمه في القرية التي أقام فيها خمس مستوطنات، فإن مبادرة أهلها تنظيم اعتصام في عمان، استنكر الاعتداءَ على أموات المقبرة،.

وأكد تمسكهم بحقهم في العودة إلى أرضهم، بعد زوال الاحتلال، كما أكد المعتصمون، وهم من عدة أجيال أيضاً، فلسطينية العباسية التي يسميها الصهاينة يهود، "ما لن يتم الاعتراف به، مهما طال الزمن"، على ما قال بيان أعلن في الاعتصام أمام مبنى رابطة أهالي العباسية في العاصمة الأردنية، وهي رابطة قامت في 1979، وتنشط، كما روابط عديدة لأهالي فلسطين في الشتات، في تمتين أواصر التواصل بينهم. جيد في البيان أنه جاء على مسؤولياتٍ وواجباتٍ على أهل العباسية تجاهها، وأشار إِلى جهد كبيرٍ لمؤسسة الأقصى للوقف والتراث، بشأن مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.

وأعلنت عن إجراءاتٍ ستتخذها في خصوص الجريمة في العباسية. ويحسن تثمين الدور الذي بادر إليه الزميل، مؤيد أبوصبيح، مع أبناء من العباسية، في التنبيه، إعلاميا، إِلى الفعلة الإسرائيلية، وإلى تنظيم الاعتصام الذي رمى الدولة العبرية بالحقيقة المؤكدة، والأقوى من وهمها أنَّ العباسية عندما سُلبت وصودرت، فإن ذاكرة أهلها، شيوخاً وأبناءً وأحفاداً، تاهت في خرائط العبث السياسي إياه. خاب وهمها، على ما تأكد للمرة المليون، على الأقل، في اعتصام أهالي العباسية.