يكفي أَنْ يُؤتى على اسمِه، حتى يُستدعى أَرشيف البطش البوليسي العربي المديد، المخابراتي تحديداً، إِذ يقيم عبد الحميد السراج في مطرحٍ ثقيلٍ فيه. ولم نكن لنتذكَّر الرجل وسيرتَه، وفيها صمتُه الفولاذي خمسة عقود، لولا أَنَّ وفاته، الأُسبوع الجاري، عن 88 عاماً، أَيقظت انتباهاً إِلى قدرته على حمايةِ نفسه من الإضاءة على شخصه، فلم تُغره رغبةٌ بالدفاع عن صيته الأَسود، ولا استثارته تلفزاتٌ وجرائدُ غير قليلة، أَرادت شهادةً منه على زمنٍ عربي مضى، كان من عناوينِه التعيسة العصيّة على النسيان.

وهذه نواتجُه باقيةٌ في الراهن. احترف عبد الحميد السراج كل هذا السكوت، منذ وصل إِلى القاهرة، في صيف 1962، بعد نجاح تهريبِه من سجن المزّة في دمشق، في عملية خططت لها المخابرات المصرية بحرفيةٍ عالية. وكان عميلها في سوريا، قبل الوحدة المصرية السورية وفي غضونها بين 1958 و1961.

وكان في أَثنائها وزير الداخلية، ثم نائب الرئيس في الإقليم الشمالي، حتى عزلِه قبل أَيامٍ من الانفصال الذي تمر ذكراه الأَحد المقبل. كان السراج شديد الشراسة، وفي سجله أَنه قاد الجهاز الأَمني السوري الأَبكر في فظاظته، "الشعبة الثانية"، أَربع سنواتٍ قبل الوحدة التي لا يُنسى أَنَّ نفوذ المخابرات وسطوتها من أَسباب انهيارها، وانكشاف ضعفها.

إِذ شاعت رواية تذويب السراج جثة الشيوعي اللبناني، فرج الله الحلو، بالأَسيد، بعد تعذيبٍ قاس في زنزانةٍ بدمشق، في زمن الوحدة، فثمّة مروياتٌ عن مسؤولياتٍ للسراج عن قلع أظافر وأسنان معارضين، وصنوفِ تنكيلٍ مريعة أُخرى. وثمّة من كتب أَنَّ أَربعمائة دعوى "جريمة حرب"، رُفعت ضده من مثقفين وسياسيين وعسكريين. لم يحفل بالصحيح وغير الصحيح مما قيل وذاع، ولم ير وجوبَ ردٍّ منه على ذلك كله أَو بعضه.

ولمّا عمد البعض، قبل خمس سنوات في القاهرة، إِلى تكريمه بين آخرين، لدوره، الموصوف بأَنه وطنيٌّ وعروبيٌّ، في حماية الوحدة العابرة بين مصر وسوريا، لم يحضر الحفل، ولم يلتفت إِلى انتقادات كثيرين، هاجموا ذلك التكريم بشدة. يجوزُ حسبان عبد الحميد السراج بين أَصحاب الحس العروبي والوحدوي.

وهو الذي شارك، ضابطاً، في القتال مع جيش الإنقاذ في فلسطين عام 1948، غير أَنَّ السمة الأَوضح فيه ذكاؤه في الدسائس والمؤامرات والانقلابات، منذ شارك رفيقه حسني الزعيم في انقلاب 1949، مرورا بإفشاله محاولةً انقلابية تالية. ويصح الزعم، بلا تمحيصٍ أَكاديمي، أَنه رائد المسار البوليسي والوحشي الذي عانت منه سوريا.

ولا تزال. بسببِه، كره سوريون كثيرون الوحدة مع مصر، وبسبب نهجه الباقي سنَّةً بعثيةً حاكمةً، يُغالب السوريون محنتهم الراهنة ودمار بلدهم، العزيز علينا، نحن العرب، بلا مزايداتٍ، يُؤثر بعضهم إِشهارها، وإِنْ تذكّروا عبد الحميد السراج.