تفتك قوى القتل لدى النظام السوري بتلاميذ في مدرسةٍ في الرقة، وتواصل استباحتها اليومية قرىً وبلداتٍ ومدناً سورية، وتتراكم أَعداد الضحايا، فلا يعيرُ كثيرون منا هذه الجائحة المتواصلة انتباهاً واجباً، بل يؤثرون الثرثرة بشأن خرافية جهاد النكاح، والتي تُعميهم عن النكبة السورية المهولة.
وهذه لا يعنيهم منها سوى أَنَّ سلطةً صارت لجبهة النصرة والمجموعات القاعدية المتشددة، والتي يحسنُ أَنْ نتذكّر أَنَّ بعضها من صناعة النظام القاتل، وأَنَّ ثمة عناصر منها أَطلقهم من سجونه، وابتعث بعضهم إلى العراق.
وفيما تتدمر حواضرُ في البلاد، وتمضي سوريا إِلى ضياع، وتعصى أَعداد القتلى والمصابين على العد، نقرأُ أَنَّ 43 تنظيما عسكريا يتوحدّون باسم "جيش الإسلام"، فنتذكَّر أَنَّ البلاء الذي ورَّط فيه النظام الحاكم في دمشق سوريا أَكبر مما نتخيل.
يزيد من هوله أَنَّ المعارضة التي يُفترض أَن تكون مبادرةً دائماً، وخلاقة في أَدائها، وعلى أَهليةٍ مكينةٍ في وضع المأساة السورية في قلب الاهتمام الدولي، نجدها تثرثر بشأن مؤتمر جنيف 2 بخفَّةٍ واضحة، إذ يُصرح رئيس الائتلاف، أَحمد الجربا، أَن التكتل الذي يقوده سيشارك في المؤتمر، فيخرج من الاتئلاف نفسِه من يقول إِن الجربا يُعبّر عن موقف شخصي، فنزداد حيرةً بشأن المؤتمرات الوفيرة التي يعقدها المؤتلفون، ماذا يحسمون فيها من اجتهادات وخطط عمل ومبادرات.
وفي أَثناء حيرتنا هذه، يعود الجربا إِلى كلامٍ آخر في الموضوع نفسِه، ويقول إِنَّ المعارضة تُطالب بضماناتٍ محددةٍ للجلوس إِلى طاولة جنيف 2، وقبل ذلك وبعده، يعلن وليد المعلم أَنَّ المعارضة الوطنية "المرخصة؟!" وحدها التي تستحق القدوم إلى هذه الطاولة.
هو وجه ظاهر من وجوه المحنة السورية التي لا تبدو نهايةٌ لها في المدى المنظور، بسبب قوةٍ للنظام الغاشم ما زالت قائمة، وبسبب قوةٍ لا يُستهان بها لدى التكتلات المسلحة المتشددة، ذات اللون القاعدي المقيت، والتي يختطفُ بعضها كاهنين منذ شهور، والأَب باولو دالوليو الذي تدهشك فطرته، وصلابتُه في نصرة الثورة السورية.
ويحوز الجيش الحر على قوةٍ طيبةٍ أَيضا، يمكنه بها إِذا ما سوند تسليحيا أَنْ ينجز ميدانياً حقائق مهمة على الأرض، من شأنها إِحداث مزيد من الاهتراء في النظام العسكري والأَمني الحاكم.
ولا تزيّد في الزعم، هنا، أنه ما لم تحدث مفاجأة مدويّة، ذات وقعٍ شديد الأهمية، تنعطف فيه سوريا من حال المراوحة المميت هذا إلى الخلاص المشتهى، فإننا نخدع أَنفسنا إِذا استسلمنا إلى وهمٍ عن اقتراب سقوط النظام.
ولأن الحال على هذا النحو التعيس، والذي في أَثنائه يذهب هذا البلد، البديع في جماله، إِلى مزيد من تعقيدٍ عويص، من تفاصيله مزيد من القتلى والمهجرين والتدمير والنهب، فتنتعش بيئةٌ مواتية لنشاط الجماعات المتشددة التي تعمل على فرض نمط اجتماعيٍّ وديني مغلق، لا صلة له بالإسلام وسماحته ووسطيته...