نُخمّنه صحيحاً ما نُشر عن امتناع نتانياهو عن مصافحة جون كيري يوم الجمعة، في مطار تل أَبيب، بل وطلبه من الوزير الأَميركي أَنْ ينتظره في غرفةٍ، حتى ينتهي من إدلائه بتصريحاتٍ للصحافة. ولا يعود تقدير الصحة هنا إِلى نقصانِ الأخلاق فقط، بل أيضاً، إِلى نزعةٍ استعلائيةٍ لديه، وهذه ما كانت لتتورَّم إِلى هذا الحد لولا المساحة الشاسعة التي تُيسرها الولايات المتحدة، ومعها الغرب، لإسرائيل من نفوذٍ على القرار السياسي الأَميركي، والأوروبي.

ومن جديد الشواهد أَنَّ كيري طار من جنيف، بعد تفاهمه مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، على تدمير السلاح الكيماوي السوري، إِلى تل أَبيب، لإطلاع الدولة العبرية على هذا التفاهم، والذي ما كان ليصير لولا حساباتٍ إسرائيليةٍ غير خافية.

وهذه، طالما تقدّمت، في غير مطرح وموضوع، على حساباتٍ أَميركية داخلية، بفعل الولاء الثقيل لإسرائيل لدى أَعضاء الكونغرس والبيت الأَبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، عدا عن أَجهزةٍ مخابراتية وقنوات استشارية. وفي البال أَنَّ رجلا اسمه جون بولتون، يعد من أَردأ السياسيين الأَميركيين وأَكثرهم ارتهانا لإسرائيل، اقترح، إِبان عمله مندوبا لبلاده في الأمم المتحدة، 70 بنداً لإصلاح المنظمة الدولية، أَولها منح إِسرائيل عضويةً دائمةً في مجلس الأمن.

ومعلومٌ أَنَّ إِسرائيل طالما عملت على دفع الإدارات الأَميركية الأَخيرة إِلى شن حرب على إِيران لتدمير مقدراتها النووية، لكن المسألة ليست مزحة أَو خيارا هيّن التفاصيل والنتائج.

وعندما يُشهر نتانياهو أَنه انتُخب لرئاسة الحكومة ليوقف المشروع النووي الإيراني، وليس ليشرح سوءَه، فإِنه يتمادى في تعظيم مكانة إِسرائيل في العالم، ويتعامى عن أَنها مكانةٌ صنعها الإسناد الأَميركي غير المحدود، والتحالف إِياه شديد الخصوصية، والذي يُفسّر عدم إِعلان الخارجية الأَميركية استياءً من عجرفة نتانياهو مع كيري، ويفسّر أَيضاً تصريح الأَخير، " إِن ما تقوم به إِدارة باراك أوباما في مفاوضات "النووي" مع إِيران "يحمي إِسرائيل بشكل أَكثر فاعلية".

إِسرائيل التي تتزود بأَهم الأَسلحة الأَميركية وأَحدثها، وتتغذّى ماليا بمساعدات أَميركية كبرى، وتلتزم معها واشنطن باتفاقاتٍ بالغة الاستثنائية، ذاتها التي تزرع جوناثان بولارد جاسوساً لها في موقعٍ أَميركي بالغ الحساسية، والتي يستقوي ساسةٌ فيها على خيارات أَميركية، بدعم لوبياتٍ يهوديةٍ وازنةٍ. إِنها إِسرائيل التي تجبر أوباما على النزول من شجرةٍ صعد إِليها، لما بلع شرطه وقف الاستيطان لاستئناف مفاوضاتٍ فلسطينيةٍ مع الحكومة الإسرائيلية، هي ذاتها التي لم يجد وزيرٌ مأفون، اسمه أَفيغدور ليبرمان، (عمل بلطجيا في حانة)، حرجاً من الجهر، مرة، إِنَّ إِسرائيل ينبغي أن تتحرَّر من حاجتها للولايات المتحدة. تُرى، إذ الحالُ ليس هذا، ويتعامل نتانياهو مع كيري بفظاظةٍ، كيف كان سيصير سلوكه مع ضيفه، لو أَنّ ما يشتهيه ليبرمان واقعٌ قائم؟.