لا تزيّد في اعتبار الاستطلاع البديع الذي أَنجزه مهرجان دبي السينمائي الدولي لأَهم مائة فيلم عربي، عملاً استثنائياً، سيما وأَنَّها المبادرة الأولى من نوعها، وتُؤشر إِلى رؤية خاصةٍ لدى القائمين على المهرجان، والذي صار في سنواته العشر في مقدمة المهرجانات الدولية، ليس لتميّز تنظيمه فقط، بل، أَيضاً، لعمله على بناءِ جسورٍ حضاريةٍ ومعرفيةٍ بين منجزات الغرب والشرق السينمائية والبصرية.

وهو، إِلى ذلك، يتبنى دعماً ملحوظاً للسينما العربية، بإطلالاته على قديمها، وإِسناد الحساسيات المتنوعة الجديدة في راهنها. وإِذ شارك في الاستفتاء 475 مثقفاً عربياً، فإن نتائجه، المفاجئة ربما في بعض تفاصيلها، ذاتُ دلالاتٍ تحتاج درساً عميقاً.

وجاءَ شديد الأهمية أَنَّ المهرجان لم يكتف بنشر هذه النتائج، وإِيضاح كيفيات التصويت، بل أَصدر، أيضاً، كتاباً أَضاءَ على كل الأَفلام المائة التي «اصطفاها» المستطلعة آراؤهم، بأَقلام نقادٍ عرب، مع مقدمةٍ وافية، يسَّرت للقارئ إِحالاتٍ إِلى السينمات التي تنتسب إليها الأَفلام الفائزة بالصدارة، ويُضاعف أَهمية المقدمة أَنَّ كاتبها هو الزميل زياد عبدالله، الناقد السينمائي المحترف، والذي بذل جهداً كبيراً وطيباً في إِنجاز الاستفتاء، وأَشرف، إِعداداً وتحريراً، على الكتاب الذي اختير له اسم «شغف السينما»، وعاونه زملاءُ تمت استشارتهم، وكانت لإفاداتهم أهميتها.

أن يكون أَول الأفلام المائة من إِنتاج 1969، وهو «المومياء» (شادي عبدالسلام)، يليه «باب الحديد» من إِنتاج 1958 (يوسف شاهين)، وأَنْ تتضمن الأَفلام العشرة الأولى، أَيضاً، ثلاثةً من إنتاج 1969 و1975 و1972، هي «الأَرض» (يوسف شاهين) و«وقائع سنوات الجمر» (لخضر حامينا) و«المخدوعون» (توفيق صالح)، فذلك يعني أَنَّ الشغف بالقديم البهيِّ والجميل من منجزات السينما العربية باقٍ على ثباته. ويُؤشر خلو قائمة العشرة الأَوائل من فيلم أُنتج في السنوات العشر الأَخيرة، إِلى توطّن القناعة بأَنَّ راهن السينما العربية غيرُ مرض، مع تقدير إبداعات مستمرة مهمة، في مصر وسوريا ولبنان والمغرب والخليج. وليس مفاجئاً أَنَّ 47 فيلماً مصرياً في قائمة المائة، بالنظر إِلى نفوذ هذه السينما في عادات المشاهدة، وما تحقّق لها من انتشار واسع في الحياة العربية، الأَمر الذي لم يتح للسينمات الجزائرية والتونسية والمغربية، مثلاً.

وبديعٌ في كتاب مهرجان دبي أَنه يوقظ فينا حبَّنا لجماليات مصطفى العقاد وخيري بشارة وإِيليا سليمان وداود عبدالسيد ومحمد ملص وأُسامة محمد ومفيدة التلالي ونبيل المالح وناصر خمير وإِسماعيل فروخي وصلاح أَبوسيف ومحمد خان، وغيرهم من مخرجين وكتاب سيناريو عرب ساهموا في تطوير ذائقتنا، وأَشاعوا بهجةً فينا، بما منحوه لنا من متعة مشاهدةِ أَفلامٍ تبقى عصيّةً على النسيان. وهذا زياد عبدالله وزملاؤه، بشار إِبراهيم وعدنان مدانات وسمير فريد وغيرهم، في هذا المنجز اللافت، يحمون ذاكرتنا، ويُحصّنون إِبداعاتٍ مهمةٍ في السينما العربية من الضياع في أَرشيفٍ بعيدٍ وتائه. شكراً لهم، ولمهرجان دبي السينمائي الدولي.