أسمع كلمات النشيد الوطني مذ كنت طالباً في المدرسة، ومازال جلدي يقشعر كلما سمعت «حصنتك باسم الله يا وطن».. هذه الكلمة خلاصة النشيد الوطني، بل خلاصة نشيد الوجود الإنساني على هذه الأرض وسرِه الساحر، ومن ذا الذي لا تصيبه الرهبة من اسم الله؟ ومن لا ينتشي باسم الوطن؟

من هذا الذي يسمع «حصنتك باسم الله يا وطن»، فلا تجتمع في قلبه الرهبة والنشوة وحب الله وحب الوطن؟ حصنوا هذا الوطن باسم الله العليم، واجتهدوا في العلم والتِقانة وابذلوا لهما العمر والمال، وأعينوا طالب العلم بمالكم وجُهدكم، حتى تخرِّجوه تاجراً أميناً وموظفاً مجتهداً وعالماً حكيماً، فالعلم قوة الأمم كما يقول البارودي: «بقوة العلم تقوى شوكةُ الأممِ * والحُكم في الدهر منسوب إلى القلمِ».

حصنوا هذا الوطن باسم الله الرقيب وراقبوا أنفسكم وأخطاءكم، راقبوا آثامكم وتقصيركم في جنب الله والوطن، راقبوا كم أخذتم وكم أعطيتم، وليست للوطن يد تأخذ وتعطي، فما تأخذونه اليوم إنما تأخذونه من أفواه أبنائكم وأيديهم وجيوبهم، فخذوا بالقسط وأحسنوا الأخذ وأجزلوا العطاء، حتى إذا كبُر الأبناء وجدوا في أيديهم ما يعينهم على العلم ويغنيهم عن ذل السؤال.

حصنوا هذا الوطن باسم الله الحسيب، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا أوطانكم، حاسبوا أيديكم التي قصرت عن الاجتهاد وأرجلكم التي تأخرت عن مواطن النقص لتبلغ بالوطن إلى الكمال، حاسبوا ألسنتكم التي تأخرت عن النصيحة والاقتراح، وآذانكم التي لم تستمع لصوت الناصح ورأي المقترح، وقلوبكم التي انشغلت بحب ليلى وسعاد عن حب الوطن.

حصنوا هذا الوطن باسم الله الحكيم، وانهلوا من حكمة التشريع الإسلامي وتعمقوا في فهم مقاصد هذا الدين الذي جاء ليغرس في الإنسان جواهر الأخلاق، ويجعل المجتمع جسداً واحداً يشعر بعضه بوجع بعضه، ويقلع المطامع المنكرة للنفس الأمارة بالتباغض والتزاحم والاستعلاء على الناس، وعاملوا الشباب بالحكمة والمحبة والتبشير، لا بالتهديد والتنفير حتى لا يفروا من بين أيديكم فيكونوا سهاماً عليكم بيد أعدائكم.

ادعوا الله باسمه السلام أن يحميكم من الفتن، وادعوه باسمه الحفيظ أن يحفظ الوطن والحكام من الدسائس والمؤامرات، ادعوا الله الذي تُحبون بكل اسم تحبون ليحمي الوطن الذي تحبون، ولا تقفوا عند الدعاء فقط، بل قوموا إلى ربكم واعملوا بتقوى الله وكما يحب الله أن يرى منكم، فتكونوا في حماية الله الذي لا تُخفَرُ ذِمته ولا يُقهرُ سلطانه.