شكلت مجزرة باريس تجسيداً دقيقاً لأوضح سمات الإرهاب السياسي، فهناك اختلال جسيم بين القوة التي استخدمها الإرهابيون في ارتكاب جرائمهم وبين التأثيرات النفسية التي نجمت عن هذا الاستخدام، ليس في فرنسا وحدها، وإنما في العديد من أرجاء العالم.

هذا الاختلال انعكس في ردود الأفعال من جانب صانع القرار الفرنسي، الذي بادر بإعلان حالة الطوارئ في فرنسا، لأول مرة منذ نصف قرن، ودفع بعناصر الأمن والجيش إلى شوارع باريس، ضمن العديد من الإجراءات الاحترازية، وتوج هذا كله بقصف الطائرات الفرنسية لمواقع تنظيم «داعش» في مدينة الرقة، قبل أن تطلب فرنسا عقد قمة أمنية أوروبية لتعزيز المعركة ضد الإرهاب على جميع المستويات.

القارئ العربي، الذي لا يملك إلا النظر إلى هذه التطورات بعيون عربية، لا بد أن يلاحظ أن اندفاع فرنسا إلى تبني استراتيجية شاملة مضادة للرهاب يتوازى مع ما سبق للعديد من الدول العربية أن دعت إليه، وطالبت به، من دون أن يفضي هذا إلى استراتيجية مضادة للإرهاب.

دعنا نتذكر أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سبق له أن لفت أنظار العالم، في أكثر من عاصمة أوروبية إلى أنه لا بد من التنسيق بين مختلف دول العالم في إطار المعركة ضد الإرهاب، ومن المؤسف حقاً أن العديد من العواصم الغربية لم تستجب لهذه الدعوة في حينه، بالشكل الذي كان متوقعاً، ولو في الحدود الدنيا.

من المؤسف أيضاً أن صناع القرار، في العديد من عواصم العالم آثروا ترك هذه المنطقة من العالم تتعرض للتأثيرات الوحشية الناجمة عن تحركات الإرهابيين على أكثر من صعيد، من دون المساهمة في وضع حد لما يجري.

الآن، وبعد مجزرة باريس، لا بد للعالم من تبني استراتيجية شاملة للتصدي للإرهاب والإرهابيين، ووضع حد لما يجري في البيئات الحاضنة للإرهاب، التي تمور بالعديد من التناقضات الغريبة. الآن أصبح واضحاً للعالم كله أن حل أزمات بلاد مثل سوريا وليبيا ليس أمراً يمكن أن يترك وينحى جانباً سنوات طويلة، وإنما بات التوصل لحلول ناجزة لهذه الأزمات أولوية ينبغي أن تحظى باهتمام العالم كله، اليوم قبل الغد، كوسيلة أساسية للحيلولة دون تفاقم ظاهرة الإرهاب.