يكثر دوماً الحديث عن السلم العالمي وحق شعوب الأرض في العيش بسلام، رغم أن الحديث يبقى دوماً في دائرة النظرية، وأبعد ما يكون عن الواقع الفعلي.
في تجربة الشرق الأوسط، ومنذ بدايات القرن العشرين، تعرضت أجيال متعاقبة للعديد من الحروب وعدم الاستقرار، وهي ظروف لم تتوقف بدءاً من الحرب العالمية الأولى وانحسار الإمبراطورية العثمانية، مروراً بالحرب العالمية الثانية، وما تبعها من احتلال يهودي لفلسطين وتشريد شعبها، إلى حرب 1973 واجتياح بيروت في 1982، وحربي الخليج الأولى والثانية، وانتهاء باحتلال العراق وتدميره كدولة.
الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر معاناة في العالم، ومنها خرج ويخرج أكبر عدد من اللاجئين في العالم، وهو منطقة ما إن تهدأ بقعة جغرافية فيه حتى تثور أخرى، في متوالية أقرب إلى الدومينو.
في الوقت ذاته، الشرق الأوسط جغرافياً هو المنطقة الأكثر أهمية في العالم، ليس فقط لأن 40 في المئة من نفط العالم يصدّر عبر ممراته الاستراتيجية وحقوله الغنية، بل لأن موقعه الجغرافي كان على الدوام مجلبة للحروب والغزاة، وليست بعيدة عنا عهود الاستعمار التي كانت ترجمة فعلية لأهمية الموقع الجغرافي الذي لم يكن دوماً نعمة لأهله، وكان أقرب إلى نقمة على جزء كبير منه.
الأوضاع السياسية والحروب المستمرة أثرت فعلاً في عدد من شعوب المنطقة، وفي مستوى ومعدلات التنمية فيها، وهجّرت الآلاف من عقول أبناء المنطقة، لكن هذه الدول تتحمل جزءاً من هذا التدهور، ورأينا أمثلة من دول عدة أدت حماقات قياداتها إلى كوارث، وتسببت في تدمير دولها وتشريد شعوبها، وهذا الأمر لم تكن حرب خارجية أو موقع الدولة الاستراتيجي، أو حتى «المؤامرات الكونية» سبباً فيه.
خلاصة القول، إن المنطقة عانت لسببين: التدخل الخارجي، وسوء إدارة وجنون البعض من داخل المنطقة. والحديث عن السلام العالمي سيبقى نظرياً، في المنطقة التي لم تعرف السلام منذ أكثر من مئة عام.